تشويش من فوق..يوم رحيل الشامخ !!

بسمة نسائية/ منبر بسمة
بقلم: عبدالرحيم تفناوت
……….
كان اليوم يوم حزن عميق، ذهبنا فيه جماعات وفرادى ومن كل بيوت اليسار بجل أجنحته والوطنيين ومن سلالات جيش التحرير وعشرات من نشطاء الحركات المدنية والنقابيين، لنودع بالكلمات وبالدموع وحتى بالصمت البليغ هذا الهرم السوسي التحرري القومي والأممي الذي أجمع الشرفاء كل شرفاء البلد أنه كان ” العنقود ” الأعذب والأخير من شجرة الكفاح المغربي العنيد والأنيق …
وفي خضم هذا المناخ شبه الصوفي الذي تحل فيه الذات محل نفسها، كي تتذكر الذي مضى والذي لازال ينتظرها أفراحا أو أتراحا، نجاحا أو إخفاقا…ويعود فيه المناضلون النزهاء إلى بعضهم البعض كي يقرأوا المحطات الصعبة والعسيرة، في ليل التراجع العام وما عليهم أن يؤسسوا له كي تنهض البلاد من غمها وجرحها البليغ …
نعم في هذا المناخ الحزين أحس العديد من الرفاق أن أجواء التأبين اليوم قد ” هربت ” من أيديهم، بحيث وجدوا أنفسهم وهم يرافقون رفيقهم الراحل وكأنهم ضيوف في محفل تأبين لإنسان ليس لهم فيه حق امتلاك ولاحق انتماء!! لقد أحسست يا رفاقي اليوم باختناق لم أعهده في مراسيمنا النضالية السابقة على اليوم، فالإنزال السلطوي الذي يبدو أن تعليمات والي العاصمة الاقتصادية هي من كانت توجهه قد جعل أصحاب الدار غرباء مطوقون، ممنوعون من حرية التحرك والانتشار بحرية بدعوى – كما قال لنا بعض من أطر الأمنيين – أن حلول ” الأمير ” يقتضي التحكم ” في السير العادي ليومية حزننا ” الذي لم نعد فيه هذا اليوم أسيادا على أنفسنا كما جرت عادتنا عليه حين كنا نودع عزيزا علينا تخطفه المنية بقرار إلهي !! وبمجرد ما رحل الوفد الأميري ارتفع الحصار …وعاد الرفاق والأصحاب والرفاق والإخوة إلى حزنهم دون فرامل ولا كوابح …!!
– وبقي السؤال عالقا من وراء هذه الأجواء ذات الطبيعة المتوترة، هل كان ضروريا أن نقبل هذا الوضع الطارئ على تقاليدنا النقدية ذات البعد الديمقراطي دون أن نكون صرحاء ونقول للطرف الآخر بأن لنا عاداتنا التي لانقبل المس بها في الوقت الذي نرحب به بكل
” ضيف ” علينا يحمل رسالة تعزية أو إعلان نية طيبة في أي أمر يهم البلاد ومن عليها …
فليسمح لي الرفاق اليوم أن أقول لهم لقد كنتم مأخوذين بفكرة الأمر الواقع والبحث عن مرور الأشياء دون تعثر لأن الموت أكبر واقعة تجعلك لا تنتبه لأمور أخرى مثل صراع الخيارات الرمزية الكبرى حتى في أقصى درجات الحزن غير العادي…
– هذا ما جرى صباحا، وسيحدث ما يشبهه وبحدة من طبيعة أخرى … ويتعلق أمره بالحضور غير المتوقع لرئيس الحكومة غير المرغوب فيه وخصوصا في محفل قدسي مثل هذا الذي ينعقد في منزل محمد بنسعيد وفي ظرفية تاريخية يشكل فيها هذا الوزير الأول التاجر المرابي الحامل لكل شبهات الدنيا والآخرة…فكيف تم التعامل مع هذه الواقعة؟ ولماذا تعامل الرفاق مع هذا الأمر ببرودة دم ودون تفكير مبدئي؟؟
رفاقي الأعزاء إنني حين أفكر الآن في مجئ هذا الوزير ليلة عشاء رحيل محمد بنسعيد فإن ذهني يدفعني إلى التساؤل التالي: هل جاء هكذا لمجرد أنه أراد القيام بواجب أخلاقي اتجاه رجل قال عنه إنه مثل أبيه ؟؟؟!! رغم أن كل من يعرف هذا الرجل يعرف أنه لا يقدم على مثل هذه الخطوة دون طلب جواز المرور !!
– وأنا أدبج هذه الحروف المعاتبة، رفاقي الذين سيطلعون عليها، لا أخفيكم أني بحضرة مثل هذه” الوضعيات الاختبارية ” أجد نفسي أعود إلى تجربة رفيقين هما محمد بنسعيد و عبدالله زعزاع … الأول حين فجر بهدوء وإصرار معركة البرتوكول الملكي في مواجهة الملك الحسن الثاني…
والثاني حين صاغ رسالته ووجهها علانية لنفس الملك الحسن الثاني وهو في زنزانته بالقنيطرة يقضي عقوبة المؤبد، الرسالة التي أنهاها بما يشبه العبارة الجازمة لرجل لا يخاف أي شيء بعدما فقد كل شيء والتي تقول: …أيها الملك إنك تستطيع أن تبقي علينا معتقلين في سجونك، لكنك لن تستطيع بالمقابل أن تغير آرائنا على إثر ذلك!!!
رفاقي اسمحوا مع ذلك أن أقول ما تعلمته من العديد من رفاقي في مراحل كانت أشد بطشا بكثير من هاته التي نشتم فيها منذ سنوات روائح سنوات معدنية سابقة، اسمحوا أن أعترف بأننا أصبنا بداء القبول والارتخاء بدعوى أن التفاصيل غير مهمة !!!
لكننا ننسى أن باب الدار إذا فتح لغير أهله وبدون حذر دائم فقد يقع أن تصبح الدار كلها في خبر كان وكانوا!!!
تحياتي الصادقة رفاقي.