الرواية لا تكتب التاريخ هي تقرأ التاريخ..

بقلم: ذ. عائشة العلوي لمراني
بسمة نسائية/ أصواتهن
في اللقاء الذي احتضنه أمس السبت “صالون الربوة” حول رواية “الديوان الإسبرطي” للكاتب الجزائري عبد الوهاب عيساوي، كان للأستاذة الكاتبة عائشة العلوي لمراني، مداخلة قيمة حول هذه الرواية الفائزة بجائزة “البوكر” العالمية العربية سنة 2020. ننقلها هنا لقراء وقارئات «بسمة نسائية” تعميما للفائدة.
تحية لهذا الكاتب والروائي الذي نال عن استحقاق جائزة البوكر لسنة 2020 م، والتي احتفت بها عدة محافل أدبية وملتقيات إبداعية ونشرت له كثير من الحوارات على المواقع الإلكترونية.
تعذر الحصول على الكتاب ورقيا واتجهنا إلى النسخة الإلكترونية التي لم تقم مقام الكتاب في شكله الورقي، غير أن حصول سيدة الربوة على الكتاب عن طريق صديقة حملته من دولة عربية جعل العلاقة بالكتاب أكثر قربا.
ما أقدمه اليوم هو مجرد مداخلة بسيطة بعد القراءة الوافية والعميقة والعاشقة التي قدمتها سيدة الربوة والتي جعلتنا نعيش مع الرواية شخوصها وأحداثها ونتبادل معهم حوارا حميميا.
ـ العنوان يصنف الرواية رواية تاريخية والمتن الحكائي السردي يؤكد الفرضية، لأنه يتناول مرحلة تاريخية مفصلية في تاريخ الجزائر، غير أن العنوان يستحضر مراحل أخرى عبر كلمة ديوان وإسبرطة وهكذا نجد أنفسنا أمام علاقة ثلاثية أو أكثر ( الديوان إشارة ضمنية إلى تركيا ـ إسبرطة رمز القوة العسكرية واستعمار قديم لشمال إفريقيا، له امتداد في الاستعمار الفرنسي ـ الجزائر وبناء الدولة).
-ديوان:
كان يشترط في الكاتب/ الوزير أن يكون كشاجما..
كلمة ديوان ذات الأصل الفارسي، نجد لها جذرا في فعل دون العربية بمعنى: كتب وسجل. الديوان يمكن أن نقدمه بلغة اليوم تجاوزا بعنوان الجريدة الرسمية فهو مكلف بالمراسلات (وزارة الخارجية) والمراسيم والقوانين والظهائر التي تصدر عن الدولة تنظم الحياة الاقتصادية والقانونية والسياسية ويقوم الولاة بتطبيقها.
عرفت الدواوين في شكلها البسيط في عهد الرسول وبعده ونظرا لاتساع رقعة العالم الإسلامي في عهد أبي بكر وعمر اتسعت وظيفة التدوين لتصل إلى التمأسس (مأسسة)، في عصر بني أمية في دمشق، وفي بغداد في العصر العباسي معتمدة النظام الفارسي والروماني. وأصبحت تشبه الوزارات في عصرنا الحالي وكان يشترط في الكاتب/ الوزير أن يكون كشاجما أي كاتبا وشاعرا أديبا جميلا ومؤدبا.
ـ إسبرطة
يقول كينيل: “لم تضع إسبرطة أي آلية لإدارة تلك الإمبراطورية الكبيرة، لم تتمتع بالعقلية المناسبة للتعامل معها. لم يكن الأمر مشابهاً لما فعله الرومان الذين نجحوا بشكل كبير في اختيار النخب المحلية للحكم بالنيابة عنهم. فقد أراد الإسبرطيون الطاعة فقط، ولم ترُق تلك المعاملة للشعوب الأخرى”
وعندما نتحدث عن إسبرطة، تحضر أثينا ونجد أن الموروث الثقافي والفكري لأثينا والعسكري لإسبرطة هو ما شكل المنظومة الثقافية والسياسية للغرب.
الجانب الفني والجمالي في الرواية هو المتحكم غالبا في ترشيح الروايات للجوائز، ذلك أن الجانب التاريخي الذي غالبا ما له علاقة مباشرة بالسياسة، لا يتناول تجنبا لتأويل قد يسبب إحراجا.
الرواية لا تكتب التاريخ هي تقرأ التاريخ وتفتح لذلك زوايا للرؤية تتفق أو تختلف حسب الموقع والموقف.
لماذا نجد هذه الكتابة الروائية التاريخية أو التخييل التاريخي تكاد تطغى في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين ( عزازيل ـ نوميديا ـ المغاربة ـ ثلاث ليال … هذا فقط على مستوى الروايات التي قرئت في الربوة).
ـ قضية الاستشراق حاضرة بقوة وقد توسعت الأستاذة خديجة شاكر في تحليلها بعمق
ـ إشكالية الدولة ـ والإمبراطورية ـ القومية ـ الهوية ـ تركيبة معقدة
الديوان الإسبرطي تركيبة تاريخية تجمع بين إمبراطريتين اعتمدتا عنصر القوة والتوسع التركي تبرره وحدة الدين مع الاستعمار الفرنسي يصبح كافيار المشتق من الكفر عدوا.
عزلة المثقف مكانيا ( الجويطي ـ طارق بكاري ـ عيساوي ) وعزلته زمنيا اللجوء إلى التاريخ.
يمكن تصنيف الرواية في ما أصبح يعرف (ما بعد الحداثة) على اعتبار أن الحداثة نزعة فردانية تفتح زاوية أحادية مختلفة لرؤية العالم. أذكر هنا مثلا محمود درويش فبعد قصيدة: “سجل أنا عربي” وكل القصائد المتعلقة بالقضية الفلسطينية ابتداء من النكبة مرورا بالنكسة وما تلاه، فاتجه إلى التعبير بشكل مختلف في الجداريات.
أيضا هناك توصيف آخر هو أدب ما بعد الاستعمار، وهو مقاربة نقدية لأدب أمريكا اللاتينية بصفة خاصة، غير أن هذا التوصيف قد يكون أيضا مقاربة صالحة لروايات التخييل التاريخي في الرواية العربية سواء من باب العلاقة بالاستعمار وبناء الدولة، أو استرجاع زمن الحضارة العربية (ثلاثية يوسف زيدان: فردقان ـ الوراق ـ حاكم ).