انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

“الديوان الاسبرطي” في حضرة صالون الربوة..

المكان – الوطن هو بطل الرواية ..

بسمة نسائية/ أصواتهن

متابعة: عزيزة حلاق

جلسة ثقافية ماتعة أخرى، بأجوائها البسيطة والمريحة، وبغنى نقاشاتها وبجليسات شغوفات بالأدب والثقافة والقراءة، هن سيدات الربوة اجتمعن كما العادة في صالون الربوة، في ضيافة سيدة الربوة خديجة شاكر..والتقينا هذه المرة مع الكاتب الجزائري عبد الوهاب العيساوي، ومع روايته ” الديوان الاسبرطي” التي حازت على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) سنة 2020.

استهلت الأستاذة خديجة شاكر قراءتها للرواية، بالإشارة إلى عودة صالون الربوة، إلى جولاته في أدب البلدان العربية عبر الروايات الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية، إنها إطلالة من الربوة على الاتجاهات المعاصرة في الكتابة الروائية العربية، وسبرٌ في أغوار شخصياتها المتنوعة بتنوع المجتمعات والدول والمواضيع المطروحة. فبعد مصر والسعودية والمغرب، ثم لبنان والكويت والعراق وتونس وفلسطين؛ نصل اليوم إلى الجزائر. ورواية:” الديوان الإسبرطي” للكاتب عبد الوهاب عيساوي، التي حازت على هذه الجائزة المرموقة سنة 2020. وسيبقى علينا الرحيل بعدها إلى كل من ليبيا والأردن وعُمان، في انتظار الإعلان عن الرواية الفائزة في سنة 2024.

صنفت هذه الرواية موضوع اللقاء، ضمن صنف الرواية التاريخية، “…وهي تتيح للقارئ أن يتمعن في تاريخ احتلال الجزائر روائيًا، ومن خلاله تاريخ صراعات منطقة المتوسط كاملة”. كما صرح بذلك رئيس لجنة التحكيم العراقي محسن الموسوي. أما الكاتب فقد اعتبر عمله رواية تاريخية بشكل عام لا تعيد بناء الحكاية من أجل الحكاية ذاتها، وقال: “هدف العمل الأساسي هو البحث عن الأسئلة الراهنة التي نعيشها اليوم داخل فضاءاتها الأولى التي ظهرت فيها أولا”.

وتحكي رواية ” الديوان الاسبرطي” عن خمس شخصيات تتشابك في فضاء زمني ما بين 1815 إلى 1833، في مدينة المحروسة، الجزائر. أولها الصحفي ديبون الذي جاء في ركاب الحملة على الجزائر كمراسل صحفي، وكافيار الذي كان جنديا في جيش نابليون ليجد نفسه أسيرا في الجزائر، ثم مخططا للحملة. ثلاث شخصيات جزائرية تتباين مواقفها من الوجود العثماني في الجزائر، وكما تختلف في طريقة التعامل مع الفرنسيين، يميل ابن ميار إلى السياسة كوسيلة لبناء العلاقات مع بني عثمان، وحتى الفرنسيين، بينما لحمّة السلّاوي وجهة نظر أخرى، الثورة هي الوسيلة الوحيدة للتغيير. أما الشخصية الخامسة فهي دوجة، المعلقة بين كل هؤلاء، تنظر إلى تحولات المحروسة، ولكنها لا تستطيع إلا أن تكون جزءا منها، مرغمة لأنه من يعيش في المحروسة ليس عليه إلا أن يسير وفق شروطها أو عليه الرحيل

وهكذا، رحلت بنا الأستاذة خديجة شاكر على أجنحة العشق والشغف بالقراءة، إلى عوالم شخصيات الرواية وجالت بنا في مختلف جوانبها، وابتدعت شكلا جديدا لذلك، وهي تحلق بنا عبر قراءتها لهذه الرواية القوية والمتشابكة من حيث أحداثها واصفة الأمر بمغامرة جديدة، جربت فيها تغيير المنحى الذي قدمه الكاتب، وبالتسلسل الذي هو قائم، وذلك بعد قراءتها الأولى والثانية؛ إذ اختارت تتبع رواية كل شخصية على حدة عبر الأقسام الخمسة، وبنفس الترتيب الذي وضعه المؤلف، وهكذا كنا أمام خمس روايات متسقة لخمس رواة يعيشون الأحداث عن قرب كل من جهته وحسب شخصيته بتعقيداتها الحياتية وبتناقضاتها ومواقفها وعلاقاتها المتشعبة.

دوجة الصوت النسائي في الرواية:

في هذه الورقة المتواضعة، سنركز على الشخصية النسائية الوحيدة في الرواية، وهي دوجة، والتي حظيت بحيز معتبر في نقاش سيدات الربوة، وظهرت في القراءة الباذخة التي قدمتها الأستاذة شاكر، – قد ننشرها كاملة في فرصة لاحقة – حيث قالت:”

دوجة هي الصوت الخامس والأخير الذي يحكي في الرواية حكاية أهل الجزائر، ننتهي من بوحها في القسم الأول ليتتالى في الأقسام المتبقية من الرواية. وهي فتاة يتيمة أتت من القرية إلى مدينة الجزائر وسنها لا يتجاوز الخامسة عشرة، خرجت هاربة من المجهول بعد وفاة أفراد اسرتها، لتقع ضحية اضطهاد مضاعف تتحمله صاغرة، وتحاول الهروب منه مرات، ليحاصرها بأشكال جديدة. صورها الكاتب كامرأة من نساء الجزائر، تحكي حكاية حياتها المتقلبة بين الأماكن المؤقتة، وبين الأحضان العابرة، إلى أن تجد مرافئ الأمان عند لالة زهرة اليهودية ولالة سعدية زوجة ابن ميار، وأساسا ستجد المحبة الملتبسة عند حمّة السلاوي مخلصها من المبغى ومن مغتصبها وغاصبها على البغاء المزوار. ” الرجال يعتقدون ألا قلب للمرأة التي تهب جسدها، ينظرون إليها مثلما ينظرون إلى شيء يلتهمونه. حتى المتدينون منهم لا تختلف رؤيتهم.” (ص 89). دوجة تحمل وزر غاصبها، وتنعت بالبغي كأنما كان بوسعها أن تختار. هي صورة المرأة المنتظرة لقدرها القاهر بعد أن ألحت في الدعاء والتوسل ومناجاة الله وانتظار بشارة طائر اللقلاق. ” سنوات وأنا ابحث عن فرصة لأقول كل شيء، أحكي له حكايتي منذ ولدت حتى اليوم الذي التقينا فيه. عليه إدراك أن المسافة بين القرية والمحروسة كانت كلها قبورا، دثرت أمي، وأتبعتها اخي، ثم غاب أبي، ووجدتني وحيدة أمام قبره. لم أتوقع يوماً أن الأوجاع التي كنت أحملها ستعينني على تحمل المبغى، ثم أتحول إلى امرأة لا تعرف سوى انتظار من قد لا يأتي…”(ص93)

هل دوجة تعبير عن العودة إلى الذات المقهورة، أم أنها أيضا رمزٌ لمدينة تعاقب عليها المغتصبون والفاسدون؟

وفي ثنايا الرواية وحين مناجاة كل من ابن ميار والسلاوي لبعضهما، يمكن أن نلمح ذلك:” لو أعاد صديقي ابن ميار سيرة دوجة فقط، لأدرك بسهولة أنها لا تختلف إلا بالقدر اليسير عن هذه المدينة” (ص 73) 

هل يمكن أن يكون إرغام دوجة على البغاء وسوقها إلى الإذلال لا يختلف عن معاناة المدينة من فساد الحكام وأذيالهم، وتعاقب المحتلين الغاصبين؟ خاصة وأن الصورة التي رسمتها الرواية لنساء المبغى إبان الهجوم الفرنسي على الجزائر كانت تظهر مدى وطنيتهن وغيرتهن على البلاد بمشاركتهن في الدفاع عنها.

على رجال المحروسة اليوم استيعاب أن أولئك النسوة اللائي يعلقون هذا الإثم في رقابهن قد أنقذن نساءهم من البغي، وعليهم إحناء رؤوسهم كلما مروا بحيهن، فليس البغاء أن يكون جسدك مشاعا، بل أن تبيع روحك للذي بغى عليك وعلى أهلك.” (ص 75) 

هذه من ضمن الأسئلة الكثيرة التي تحيل إليها قراءة هذه الرواية المليئة بالوشائج الإنسانية المعقدة، وبصور بقدر ما هي تنبع من وثائق تاريخية، بقدر ما هي تحيل إلى وقائع وحالات راهنة، ليس فقط في الجزائر ولكن في العالم العربي أيضا.

المكان – الوطن هو بطل الرواية فعلا

لقد كان المكان- الوطن فعلا، هو بطل هذه الرواية التي تشابكت فيها الشخصيات وتعقدت علاقاتها، وبالرغم من الاعتماد على الأحداث التاريخية ووصفها روائيا، فإن الكاتب أعطى للرواية زخما إنسانيا قويا، طرح من خلاله أسئلة عميقة حول الوجود، الخير والشر، الحب والحرب، الوهم الحقيقة، الهزيمة الانتصار، الفساد والنزاهة، الاستسلام والتمرد

*كانت قراءتها متعة رغم التحايل المغامر على ترتيب أقسامها.

**********

بقي أن نشير، أن الأستاذة زهرة رشاد، والتي كانت مبرمجة ضمن هذا اللقاء لتقديم قراءة في هذه الرواية، غابت عن هذه اللمة الجميلة، بسبب وعكة صحية ألمت بها، لكنها حرصت على مشاركة سيدات الربوة بإرسال تسجيل صوتي بعثت من خلاله، بنبرات صوت متعب وبكلام مؤثر، تحايا تعبق بأريج المحبة الصادقة وتنضب بالشوق العارم لأجواء الربوة الغناء.

وقالت:” إلى نساء الربوة الجميلات وإلى التواصل الفعال والحميمية الشفيفة والشغف للقاء معكم ومع سيدة الربوة الأستاذة خديجة رئيسة مؤسسة الربوة للثقافة والفكر، ونهنئ انفسنا لإدارتها الحكيمة التي جعلت من الربوة حبلا سريا فيما بيننا لنستمر في خوض هذه المغامرة الجريئة والتجربة الثقافية الفريدة ممسكات بهذا الحبل المتين والذي يزداد متانة عبر امتداد زمن طويل، يفوق 10 سنوات وهذا لا يزيدنا الا تحريضا على التواصل الإنساني والثقافي الإيجابي داخل هذه المؤسسة العتيدة.

صورة من لقاء الربوة يوم 27 يناير 2018

عزيزاتي الغاليات:

نأتي إلى لقاءات الربوة وفي قلب كل منا نصر على اليأس، لأننا مشاكسات للحياة وإغواءاها. وأمام أعطاب الجسد والروح أحيانا في ظل عالم مضطرب تسوده الفوضى والظلم وغياب العدالة. وخاصة ما يمارس اليوم في غزة الجريحة أمام أنظار العالم. ورغم كل ما يحيط بنا من أفراح مؤجلة لا نستطيع احتساء فناجيها المرة. رغم هذه المرارة الفادحة فتمة أمل يومض بين حنايانا، يجعلنا نقاوم المشاهد القاتمة ويجعلنا نتمسك بتلابيب الحياة.

هناك جدوة الحب التي ننصهر في بوتقتها، بوتقة الربوة. فألف شكر للأستاذة خديجة شاكر لأنها عرفت وتعرف عبر سنوات عديدات كيف توسع مدارات حيواتنا.. فتعلمنا كيف نكون ذواتا فاعلة تساهم في المشهد الثقافي أولا داخل الصالون الادبي الأثير، تم خارج فضاء الربوة بالاكتساح الجريء والراق لتنتقل تجارب ولقاءات الربوة إلى المكتبة الوطنية ومعهد التهيئة والتعمير وإلى مدينة أصيلا وسلا. هذا الانفتاح الذي ستزداد شساعته في لقاءات لاحقة.

العزيزات الغاليات، لقد عشنا في عالم الربوة، فعشقنا فعل القراءة فيه ومنحتنا القراءة فرصة العيش بكثافة أكبر وأصبحنا قادرات على الإبصار. بل جعلت لقلوبنا وعقولنا عيونا ترى ما لا يرى. لأن القراءة مصنوعة من الحياة ومن أهل الكتابة بخزائنهم المتفجرة الذين يفتحون ثقبا بشغاف القلب والعقل، ليعيشوا هناك بدواخلنا، رسلا ومعلمين. ولتبقى قراءتنا مضيئة لعتمات زمننا القاسي الرهيب.

متمنياتنا بالشفاء والعافية للأستاذة الرائعة والمبدعة زهرة رشاد، طهور إن شاء الله.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا