
بسمة نسائية/ أصواتهن
تقول الطبيعة البشرية إنَّ الأب هو مصدر الأمان لأبنائه، هو من يحميهم، هو من يوفر لهم البيئة المناسبة للعيش الرغيد، لكن بالنسبة للكاتبة” توني ماغواير” كان هو كابوس حياتها
الفصل الأول من القصة:
في رواية ” لا تخبري ماما ” تحكي توني عن الكابوس الذي أثقل كاهلها وظل يطاردها طيلة حياتها، عن الماضي الذي لم تستطع أن تتخطاه إلا بشق الأنفس كأنها بهذا الكتاب تبوح بمكنوناتِ صدرها لتزيل جزءً من مشاعر البؤس والكتم التي عانتها..
تبدأ حكاية الفتاة عند بلوغها سن السادسة عندما يبدأ والدها “بيدي” بملاطفتها وإقامة علاقة جنسية معها تدوم لسبع سنوات، في سلسلة من الاعتداءات وفي كل مرة يعتدي عليها كان يقول لها تلك الجملة التي حفظتها عن ظهر قلب” لا تخبري ماما “..
كنت أعرف بالفطرة أنّ (سرّنا) لا ينبغي أن يطّلع عليه أحد، وأنه أمرٌ مخزٍ، لكنّني كنت أصغر من أن أدرك أنّ أبي هو من يجب أن يشعر بالخزي لا أنا.
كنت أظنّ أنّني إن أطلعتُ من يحيطون بي على ذلك، سيكفوّن عن النظر إلي باعتباري فتاة عادية، وسيلقون عليّ باللائمة.
تستطيع أن تشيّد منزلاً وتزيّنه، وتجعله يبدو في أبهى حلّة، وتملأه بالأشياء الجميلة. ويمكن أن تحوّله إلى موئل للنجاح والثروة مثلما فعلت بشقّتي في لندن، أو يمكن أن تجعل منه منبعاً للسعادة والهناء. لكنّك إن لم تحرص على بنائه على أرض صلبة، وإقامته على أسس متينة، ستتصدّع جدرانه مع مرور الأيام. يستطيع أن يصمد لسنوات إن لم يأتِ إعصار، ولكن إذا ما عصف الجو لا يلبث أن ينهار، لأنه مهزوز الأركان.
لم تكن تتكلم، ولم يكن لها خيار في مغادرة هذا المكان الذي فقد فيه الواقع معناه. أمّا أنا فبدأت أدرك أنّ ذلك الخيار ما زال بيدي. شعرتُ وأنا أنظر إليهم بقبس من الأمل يومض بداخلي. كان من السهل عليّ أن أستسلم، وأنكفئ على ذاتي إلى أن أصير مثل تلك المرأة، لكنني لم أبيِّت ذلك. لا شكّ أنّه عنفوان الشباب. كنت بحاجة الى الحرية في التعبير عن حبّي، حاجة الزهرة إلى ضوء الشمس لكي تنمو وتتفتح. وصار بإمكاني التعبير عن ذلك الحبّ بمختلف الطرق، وهو ما ملأني فرحاً.
لم أكن أملك شيئا بل أنا نفسي لم أكن شيئا، ومع ذلك حافظت على ذرة كبرياء جعلتني أربأ بنفسي عن الحديث عما أشعر به، لم أفصح عن مشاعري لأحد، كما لو أنّ عدم التعبير عنها بالألفاظ من شأنه أن يجعلها تختفي.
الفصل الثاني من القصة: “تركوا بابا يعود“
ظنَّت توني أنها أصبحت أخيراً في مأمن من الاعتداءات التي كابدَتها منذ طفولتها المبكرة، لكنها كانت مخطئة. تتابع توني ماغواير في كتابها “تركوا بابا يعود” قصة طفولتها المأساوية وتروي حقيقتها الرهيبة. فهذا الكتاب تتمّة لسيرة “لا تخبري ماما” التي تعاطف معها مئات الآلاف من القراء حول العالم، وهو لا يقلّ إثارة عن الجزء الأول.
بفضل الشهادة التي أدلت بها توني عن الأذى الجسيم الذي ألحقه بها والدها، دخل هذا الرجل السجن، وظنَّت أنها ستعيش أخيراً حياة طبيعية، كباقي الفتيات. حتى جاء ذلك اليوم وخرج فيه والدها من السجن وعاد إلى المنزل… بكلمات موزونة، مؤثّرة، غير صادمة، تقدّم لنا توني ماغواير درساً قويّاً عن الصمود والشجاعة والأمل، لا يمكننا معه إلّا أن نُشيد بصلابة هذه المرأة التي استطاعت أن تتخطى كل الغدر والآلام والصعوبات التي صدمتها بها الحياة منذ نعومة أظافرها
*وني ماغواير هي كاتبة بريطانية نالت شهرة كبيرة في كتابة السير الشخصية وكانت سيرتها الذاتية “لا تخبري ماما” وهي كتابها الأول من الكتب الأكثر مبيعاً في المملكة المتحدة في عام 2007 مما شجعها على إصدار الجزء الثاني من سيرتها الذاتية “تركوا بابا يعود” والتي عززت شهرة ماغواير التي نالتها على كتابها الأول. وكان نجاحها الباهر في كتابيها الأولين واللذان كانا عن تعرضها للاستغلال الجنسي من طرف أبيها مشجعاً للكثيرين كي يحكوا حكاياتهم، مما شكل لديها مكتبة في الموضوع لتصدر بعد ذلك خمسة كتب إضافية كلها سير شخصية لأفراد تعرضوا للاستغلال الجنسي من ذويهم. وهي الآن بصدد نشر روايتها الأولى. بعد هذه الرحلة من النجاح في عالم السير الشخصية.