أزولاي: الثقافة قادرة على القيام بأدوار أفضل من السياسة..
بسمة نسائية/ ثقافةوفنون
الرباط/ عزيزة حلاق
“الثقافة لا تستدعي استثمار المليارات للوصول إليها؛ لكن عائد الاستثمار فيها، يكون بالضرورة مذهلا ومعبرا”..
بتحية “السلام” قالتها بالعربية والأمازيغية والعبرية، افتتحت الفنانة لطيفة أحرار مديرة المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي، الدرس الافتتاحي للموسم الدراسي 2023/2024، وهي ترحب بضيفها الكبير أندري أزولاي، مستشار جلالة الملك محمد السادس.
كان اختيارك سيدتي، موفقا باستضافة هذا الرجل الذي قدمتيه بالمناضل من أجل حوار الأديان والثقافات، فهو “عراب السلام” ورجل دولة بامتياز يحمل بالفعل، معنى أن تكون مثقفا حاملا لهوية “التمغاربييت الأصيلة المتسامحة”.
نجح أزولاي هذا الصباح، وهو يعتلي خشبة قاعة “با حنيني” التابعة لوزارة الثقافة، ويتحدث عن تجربته وايمانه بالدور الجوهري للثقافة في بناء الانسان وتطوير المجتمع وتقدمه وبلورة الوعي الإنساني عموما، من شد انتباه الحضور من طلبة “ليزاداك” واعلاميين وسياسيين وأكاديميين وفنانين وعدد من المهتمين بالفعل الثقافي، لأكثر من ساعة ونصف بدون ملل.
تحدث على الأوجه المتعددة للفنون والثقافة المغربية، وعن البعد السياسي البنيوي الشامل للوضعية الثقافية بالمغرب. وكانت مداخلته تلقائية بأفكار مرتبة، لم يعتمد فيها على ورقة مكتوبة مسبقا، كان حديثه عن الثقافة سلسا ممتعا وكشف بالملموس، كيف كانت الثقافة دائما قادرة على القيام بأدوار أفضل من السياسة، لكونها بمقدورها تجاوز الإيديولوجيات”، معتبرا ومفتخرا بأن المغرب من خلال العديد من النماذج الفنية، شهد ويشهد ثورة ثقافية حقيقية منحته موقعا متميزا دوليا. فالكل يعرف اليوم المغرب من خلال ثقافاته.
وقال:” إن تحقيق هذه الثورة الثقافية، لا تستدعي استثمار المليارات للوصول إليها؛ لكن عائد الاستثمار فيها، حتى عندما يكون ضئيلا، يكون بالضرورة مذهلا ومعبرا”.
ومن أجل بلورة هذه الرؤية ولتوضيح الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة في التنمية والنمو، قدم أزولاي مثالا مجسدا من خلال تجربته بمدينة الصويرة، التي قال إنها كانت إلى حدود بداية التسعينيات لا تتوفر على بنية تحتية فندقية، وكان فيها نحو 10 فنادق فقط” و اليوم، وبفضل الثقافة، وبفضل المهرجانات الفنية والثقافية، والتي ذكر منها مهرجان “كناوة” الذي انطلق قبل 30 سنة و” أندلسيات” ومهرجان “الموسيقى العالمية”، يوجد اليوم في هذه المدينة الساحلية نحو 500 فضاء للإيواء متكونا من الفنادق والرياضات ودور الضيافة. كما أن حوالي 20 دولة ترتبط بالصويرة من خلال خطوط جوية مباشرة”، وزاد: “المدينة تتمتع اليوم بدينامية مذهلة، تساعدنا لخلق الثروة، وتجعلنا نتطور بشكل يحمي قيمنا”.
أزولاي فاجأ الحضور بالإعلان عن عدد من المؤسسات والبنايات الثقافية والمهرجانات الجديدة المبرمجة على المدى القصير في “مدينة الرياح”. بل ذهب ردا على أحد المتدخلين، عن إمكانية بتنسيق مع لطيفة أحرار، خلق فرع للمعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي بمدينة الصويرة.
وهو يتحدث عن المهرجانات التي ستعرفها الصويرة مستقبلا، ذكر بالأساس مهرجانا للسينما وآخر للمسرح، ولم يفوته في هذا السياق، أن يعترف بأثر الطيب الصديقي، الملقب بأبي المسرح المغربي، قائلا: “ وأنا أتحدث عن المسرح في مدينة الصويرة، ، لابد أن أذكر اسم شخص كان مهما في مهنة رجال الثقافة والمسرح والسينما وكان مواطنا كاريزميا، وهو الطيب الصديقي، الذي أحتفظ بقدر كبير في ذاكرتي وفي ذكريات مناقشاتي معه، بالمبادرات المختلفة التي اتخذها بمدينة الصويرة، ثم بعدها على الساحة الوطنية وعلى الساحة الدولية، بتجسيده رجل المسرح الذي تجاوزت موهبته وتفرده وجاذبيته حدودنا بسرعة فائقة”. فالصديقي يضيف أزولاي، ساهم في وضع لبنات المسرح المغربي، وقدم عروضا على خشبات كبيرة ومهمة في العالم؛ في الغرب وفي الشرق، وكان ينقل معه دائما هذا المغرب المتنوع، وعبر عن نفسه بجميع اللغات”، مبرزا أن “الصديقي كان رائدا في الكلاسيكيات العظيمة؛ كلاسيكياتنا، وأيضا كلاسيكيات الآخرين.. وفي وقت مبكر جدا وبسرعة كبيرة أعطى المسرح المغربي شرعية ومصداقية وموهبة حظيت بإعجاب الكثيرين.
أما الموسيقى ومختلف أشكال الفن، يضيف أزولاي، فتعكس نضجا في تعامل المغرب مع الثقافة، وهو “ما لم تستطع العديد من البلدان القريبة منا والبعيدة أن تُحسن التعامل معه”، لافتا إلى أن “البلد لديه تاريخ عريق وثقافة غنية ومتنوعة، والمهرجانات التي تنظم في الصويرة مثلا تمنح الفرصة لمن يريد أن يعبر، يهوديا كان أو مسلما أو غير ذلك (…) وطيلة وجود فعاليات الصويرة، يلتقي آلاف المسلمين من المغرب ومن أماكن أخرى بآلاف اليهود من المغرب وغيره، لماذا؟ ببساطة من أجل سعادة التواجد معا.
وللتعبير عن مكونات هويته، قال المستشار الملكي ببلاغة جميلة، إن “الثقافة والفن يوجدان في حمضه النووي”، وأن “المغرب يستطيعُ أن يذهب أبعد، إذا استثمرنا أكثر في جميع مناطق البلاد ومدنها، من خلال تجهيزها بمراكز التدريب والمسارح ودور السينما وقاعات الحفلات الموسيقية. فتأهيل المدن سيغذي هذه الدينامية التي يمر منها المغرب في القطاع الثقافي”، مسجلا أن “الجميع يعرف ما تبديه بلادنا لهذا القطاع من اهتمام، ورأينا ما يمكن أن تجسده مواهبنا اليوم في الداخل وفي العالم. فنحن على أرض آمنة. وهذا ما نحن بحاجة إليه”.
في الأخير، هنأ أزولاي طلبة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي على اختيارهم تخصصات تدعم البناء الثقافي المغربي، على الرغم من أنها “مهن لا تدعمها مجتمعاتنا اليوم بالمزيد من الموارد”؛ لكنه قال إنه :”يتفاءل بمغرب الغد”، مبرزا أن “الثورة الرقمية قد تشكل تهديدا؛ لكن الشيء الرئيسي هو الحفاظ على القيم التي تمكن إنسانيتنا من الاستمرار في التطور، والإمساك بقوة بأغلى وأعز ما لدينا:
“قدرتنا أولا على حماية هوياتنا، تاريخنا وذاكرتنا والسماح بهذا الإرث الحاسم لكل واحد منا بالظهور، مهما كانت المساحة التي ولد فيها أو التي يتطور فيها”.
برافو لطيفة أحرار لك ولطلبة “ليزداك” وبداية موفقة في مسارك المهني على رأس المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي.