من أجل مدونة أسرة بلا تمييز ولا حكرة وبلا ظلم

بسمة نسائية/ مجتمع/ قانون
الرباط/ عزيزة حلاق
” بالكاد تعتصر كلماتها وبحرقة تروي معاناتها، هي امي حادة، ستينية، تعود بنا إلى ما يقارب 40 سنة. تم زواجها بأجدى القرى. كافحت وثابرت في كل المهام الموكولة لها من رعاية أم وأب الزوج، والاشراف على تربية طفلتين، إحداهما تعاني من إعاقة. كانت مي حادة، وبالإضافة إلى قيامها بكل أشغال البيت ورعاية طفلتيها وباقي أسرة زوجها، كانت تساعده في مهام الحقل من تربية المواشي والاشراف على العمال خاصة في فترة الحصاد.
كانت بداية حياتها الزوجية رفقة زوجها بغرفتين، ساعدته بكل ما اتيت من قوة لتحسين ظروف عيشهما، بعد عشرة دامت لسنوات هاجر الزوج وتحسن وضعه المالي، فكان أول قرار اتخذه هو الزواج من امرأة ثانية. طلق مي حادة وتركها هي والبنتين دون نفقة ودون معيل لمدة تزيد عن 25 سنة..”
هي قصة من قصص واقع أليم وظالم، استمعنا إليها ضمن شهادات نساء يعانين من الظلم والحكرة والتمييز، في ندوة نظمتها أمس فيدرالية رابطة حقوق النساء وشبكة نساء متضامنات. وكانت المناسبة تقديم تقرير حول العنف المبني على النوع تزامنا مع الحملة الأممية لمناهضة العنف ضد النوع.
قصص تضمنت قضايا شائكة مرتبطة بمقتضيات ترفع أصوات اليوم للمطالبة القوية بتغييرها، منها:
مساطر الطلاق والحضانة والمادة 49 المتعلقة بتدبير الممتلكات المشتركة، ومسألة ثبوت النسب وتزويج القاصرات، المساواة في الولاية على الأبناء، المساواة في الإرث..”.
أرقام صادمة وأخرى صامتة، كشف عنها التقرير الذي تضمن معطيات إحصائية للفترة الممتدة ما بين فاتح يوليوز 2021 و30 يونيو 2023.عن مجموع حالات العنف الوافدة على مراكز شبكة رابطة انجاد وكذا المراكز التابعة لشبكة نساء متضامنات، وصلت إلى 22400 حالة. توزعت بين مختلف اشكال العنف من عنف لفظي وجسدي ومعنوي وحرمان من الحقوق وعدم الانفاق والهجر والخيانة والمنع من السفر والتهديد والعنف المعلوماتي و غيرها..
التقرير تناول أيضا آثار العنف على الصحة الجسدية والنفسية إضافة إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية الممارسة على النساء قد نذكر بالخصوص (فقدان السكن والعمل والتسول وتدهور مستوى المعيشة والبطالة والحرمان من الابناء..).
ويبقى الأخطر هو آثار هذا العنف على الأبناء، جراء تفكك الأسرة، مما يكون له عواقب وخيمة نشير على سبيل المثال لا الحصر (الانقطاع عن الدراسة، الاستغلال في العمل، الاتجار بالأطفال، الانحراف الخ..).
بعد رصد مختلف مظاهر العنف المبني على النوع، الذي جاء بها التقرير، فتح الباب للنقاش وقدمت خلاصات واقتراحات وتوصيات، صبت كلها في توصية جامعة عنوانها الكبير ” من أجل مدونة أسرة بلا تمييز ولا حكرة وبلا ظلم”.
بقي أن نشير إلى أن تقديم هذا التقرير جاء في ظل النقاشات المفتوحة اليوم حول تعديل مدونة الأسرة، ومواصلة الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة لجلسات الاستماع التي أطلقتها قبل أسبوعين مع المؤسسات الرسمية المرتبط عملها بشكل مباشر بموضوع الأسرة، والنسيج الجمعوي لحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، والقضاة والباحثين الأكاديميين، وباقي الممارسين في ميدان مدونة الأسرة.
إنها لحظة مفصلية يعيشها المجتمع المغربي، في انتظار تعديل جوهري شامل لمدونة الأسرة، تعزيزا للمساواة وحماية لحقوق النساء والأطفال عملا بالرسالة الملكية التي تصب في ذات الهدف”.