جوسيبي كونتي:”الشعر سفر من الظلمات إلى النور”
العالَم يعرف وجود قوى تنزع الإنسانية عن الإنسان..
بسمة نسائية/ ثقافة
صور: محمد بلميلود
عزيزة حلاق
“إذا كان الربيع هو الفصل الذي يعود كل عام لتحقيق ولادة جديدة، فإن الشاعر هو من يسعى إلى بعث الإحساس باللغة وبطريقة النظر إلى الأشياء. ولكي يتسنى للتجديد أن يتحقق، علينا أن نهدم ونكون قساة مع أنفسنا ومع من يمنعوننا من جعل هذا الربيع ممكنا”.
إنها عبارة عميقة للشاعر الإيطالي جوسيبي كونتي، الذي فاز بجائزة الأركانة العالمية للشعر، التي يمنحها بيت الشعر بالمغرب.
حفل تسليم الجائزة، جرى أمس الأربعاء 23 نونبر 2023، في أمسية شاعرية ماتعة، بالمكتبة الوطنية بالرباط، وحضره الكثير من الوجوه الثقافية والأدبية والإعلامية بالمغرب، وسير فقراته باللغتين العربية والإيطالية الشاعر حسن نجمي الأمين العام لبيت الشعر بالمغرب.
العدوان الإسرائيلي على فلسطين والإبادة الجماعية بحق أهل غزة، خيم على الحفل، خاصة في الكلمة المؤثرة للمحتفى به الشاعر جوسيبي كونتي، عقب تسلمه الجائزة حين قال:” إن الشعر “يذكّر بكل ما هو إنساني في الإنسان”، ويدافع “عن الضعفاء والمقصيين والمنسيين” وتحدّث عن الفلسطينيين “الذين يعيشون سجناء في الأراضي المحتلة”، ويعانون من العنف ووضع لا يحتمل”.
وقال أيضا:” أن العالَم يعرف وجود قوى تنزع الإنسانية عن الإنسان، و”تريد أن تجعل الإنسان آلة و’زومبي’ ووصف بـ”البربرية التي يجب مقاومتها” ما وصلت إليه الحضارة الغربية في العقود الأخيرة من انتصار للتسليع والاستهلاك والاقتصاد والماليات الدوليةّ”..
وعبّر عن تشبّثه بـ” الشعر سفرا من الظلمات إلى النور، وسفرا نحو اللامتناهي”؛ قبل أن يقول إن “الشعر والأسطورة يمكن أن يؤاخِيا الشعوب””.
في توطئة حسن نجمي لهذا الحفل، وتقديمه للشاعر الإيطالي الفائز بجائزة الأركانة العالمية للشعر، ، قال عنه:” إنه شاعر كبير، شفيف النظرة، عميق العبارة، حليف للكلمة المضيئة، صديق للحياة”، وتابع: “هو من أبرز شعراء الفضاء المتوسطي، وابن شرعي للشعرية الإيطالية الحديثة والمعاصرة، وهي شعرية تتكلم لغة من أجمل لغات العالم، ومن أكثرها موسيقية، هي بِكرُ اللغة اللاتينية”.
المتوَّج يضيف نجمي، “صديق غربي حر للثقافة العربية، للشرق الحضاري والإنساني، وأحد المثقفين المعاصرين بأوروبا الذين عملوا على تجسير العلاقة بالثقافة والأدب المغربيين، وله صداقة متينة مع أدونيس، وشعراء كبار في المغرب والعالم العربي ويعتبر اللغة العربية، والحضارة العربية الإسلامية، من مرجعيات كتابته ومتخيَّله وتجربته الشعرية مدافعة عن الحق في الحياة، تنتصر لكلمات الشرف والكرامة والدفاع عن التربة والأرض والحرية، والوطن ترابا وإنسانا وتراثا، وأساطير وذاكرة وتاريخا.
من جهته، استحضر مراد القادري، رئيس بيت الشعر بالمغرب، في كلمته، رمزية الجائزة التي تحمل اسم “الأركانة” “رمز للصداقة الشعرية، تصل شعراء بلدنا المغرب بباقي شعراء العالم”، وتنتصر “للشعر في وقت يقف إلى جانب القيم النبيلة؛ قيم الجمال والمحبة والسلام الذي ما أحوج عالمنا إليه”.
وذكر رئيس بيت الشعر أن جوسيبي كونتي لفت شعره الأنظار منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، ورافقت منجزه الشعري والروائي “احتفاءات أدبية رفيعة”، توّجت إبداعه الذي يستلهم الأساطير والثقافات الأولى في عالم جديد، ويستلهم من العالم العربي والتراث الصوفي الإشارة والترميز، وتحضر فيه ظلال الأشجار وأصوات الأنهار”.
وقبل تسليم الجائزة، أعطيت الكلمة للسيد سيموني سيبيليو، رئيس لجنة التحكيم، الذي تحدث عن تميز جائزة الأركانة التي يمنحها بيت الشعر، معتبرا أن لجنة التحكيم استندت في حكمها باسنادها لجوسيبي إلى “الجودة الشاملة” لعمل الشاعر المتوَّج “وكثافته الغنائية، وعمقه التأملي، ونفسه الكوني، واحتفائه بالعناق الرمزي بين الشرق والغرب، واختراق البعد الإنسانيِّ للحدودِ مهما كان نوعها”. وواصل كاشفا ماهية شعره “الغارق في الأسطورة والمقدس، وتمثل الطبيعة بمجملها”
ووضح المتدخل أن مفتاح شعرِ جوسيبي كونتي كونه “إعادةَ البناء الأسطوري لمعاني العالم”، بتصور للقصيدة بوصفها “النور الذي ينير الظلام، ويجعل غير المرئي مرئيا”، قبل أن يختم بالقول: “شعره يعطي صوتا لمن لا صوت له، ويبحث عن الجمال المحافظ على البعد الأخلاقي العميق، ليكتب عطاءات خيالية جديدة، منغمسة في التقاليد”.
وبصفتها ممثلة الراعي الرسمي لهذه الجائزة، تحدثت وفاء نعيمي إدريسي، رئيسة مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، عن “جائزة الأركانة” وعن الشراكة مع المؤسسة منذ 2008. وقال :” هي جائزة تعزز الدور الهام الذي تلعبه الديبلوماسية الثقافية في تعزيز مكانة بلدنا كملتقى للثقافات الإنسانية والأصوات الشعرية المناشدة لقيم التسامح والاخاء والتعايش، والتي يدافع عنها دوما صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله”. المتحدثة هنأت “الشاعر الكبير جوسيبي كونتي، على مساره الإبداعي الطويل، ليمنح الإنسانية قصيدة عميقة ممتعة وقادرة على أن تساعدنا على فهم الحياة والعالم، وتعيننا على التواصل مع الذات والآخر”.
صورة للشعراء الفائزون بجائزة الأركانة العالمية للشعر ( من 2003 إلى 2021).