المفكر اليهودي ليبوفيتش:”الحل التوافقيً لا يكفي لتحقيق السلام.. “
الحل الوحيد العقلاني والأخلاقي هو التقسيم إلى دولتين.

بسمة نسائية/ منبر بسمة
بقلم: د. شكيب حلاق
ليبوفيتش: الفخر القومي، ونشوة النصر، بعد حرب الأيام الستة مؤقتة، لكنها حملتنا من الفخر بالشعور القومي، إلى القومية المتطرفة..
من تاريخ إنشاء الدولة اليهودية في إسرائيل عام 1948، إلى حرب الأيام الستة التي أجبرت الفلسطينيين على النفي الجماعي، مروراً باستيطان الضفة الغربية والمقاومة والتمرد في غزة، جميع هذه الأحداث أدت إلى الحرب الحالية بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي.
بفضل رؤيته النقدية والتحليلية الفريدة، نجح “يشعياهو ليبوفيتش”، وهو واحد من أكثر المفكرين تأثيرًا في المجتمع الإسرائيلي (توفي في 1994)، في فضح بشكل مبكر وقبل الآخرين الاستبداد في دولة إسرائيل والمسارات المميتة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
وعلى الرغم من مرور الزمن، تبقى إجابات ليبوفيتش على هذا الصراع، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة إقامة الدولتين حية..
إليك مقتطفات من وجهة نظره حول هذا الصراع السياسي والحلول التي يقترحها:
في اليوم التالي لانتصار اسرائيل في حرب الأيام الستة، عندما كانت موجة الحماس القومي تجتاح أعماق الشعب اليهودي، قام ليبوفيتش بالوقوف بمفرده لدعوة بلاده إلى مغادرة الأراضي المحتلة وحذرها بشكل رسمي من احتمالية كارثة ناتجة عن السيطرة العنيفة لشعب على شعب آخر. وقال: “إن هذا الانتصار هو واحد من أعظم الكوارث في تاريخنا”..
“لنغادر هذه الأراضي التي ستسبب هلاكنا فورًا، دون انتظار يومًا واحدًا”.
قضى ليبوفيتش حياته كلها في الوقوف في الشوارع وعلى المنابر لجعل تقسيم الدولتين هو الحل الوحيد للسلام.
“يمكن مناقشة كل شيء، إلا مبدأ أن نعترف للشعب الفلسطيني بحقه في الاستقلال السياسي”. وهذا يعني، بالطبع، أن يعترف هو أيضًا بحقنا. هذا هو معنى اقتراح تقسيم هذه الأرض بين الشعبين: دولة إسرائيل بجانب دولة فلسطين…
القضية الهامة ليست درجة الشرعية وإنما درجة وعيهم بحقوقهم التاريخية. هذا الوعي قوي جدًا. بالنسبة لليهود، يعتبرون الخليل ونابلس جزءًا من تراثهم، تمامًا كما يعتبر الفلسطينيون حيفا ويافا جزءًا من تراثهم. ومع ذلك، لا يمكن لأي من الشعبين أن يمتلك البلاد بأكملها. الحل الوحيد العقلاني والأخلاقي هو التقسيم إلى دولتين”.
لذا، يبقى الحل الوحيد الممكن هو “اقتسام” هذه الأرض نفسها التي يطالب بها الشعبان – وهو الحل الذي اقترحه ليبوفيتس دائمًا.
للأسف، يمكن أن نتأسف بشدة على الصمت الذي ووجه به هذا التحليل الواضح والعقلاني، عدم مسؤولية الزعماء الإسرائيليين في خسارة حياة العديد من الفلسطينيين والإسرائيليين معا، وهذا التكلفة مستمرة وستستمر ما لم يقف الاحتلال…..
ليبوفيتس لم يكف عن الإنذار بالآثار الخطيرة للاحتلال، حيث قال:” إن بلادًا تخضع بالقوة أكثر من مليون شخص ليست ديمقراطية”، والعنف ضد العرب أصبح سلوكًا طبيعيًا لغالبية الإسرائيليين”.
فالاحتلال يضيف ليبوفيتس، زرع البغض القاتل بين اليهود والعرب وجعلهم معتمدين بشكل كامل على الولايات المتحدة.
والخلاص هو التخلص من الأراضي المحتلة كما فعل “دوغول” مع الجزائر.
أما الحل التوافقيً فلا يكفي لتحقيق السلام، بل يجب إعادة كل الأراضي للفلسطينيين.
ألأهم هو أن يعيش الشعبان في هذا البلد ويعتبرونها وطنهم بالكامل، ورغم أن هناك اختلافات في مدى الشرعية، إلا أن الوعي بحقوقهم التاريخية قوي جدًا.
بالنهاية، أكد ليبوفيتس أن الحل الوحيد العقلاني والأخلاقي هو التقسيم إلى دولتين.
للأسف، لم تلق هذه الرؤية التحليلية الواضحة الاستجابة المناسبة في ذلك الوقت، واستمرت عدم مسؤولية الزعماء الإسرائيليين في تكبد الخسائر بحياة العديد من الأشخاص في كلتا الجانبين.
لم يقتصر يشعياهو ليبوفيتش بالتحذير من آثار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على الفلسطينيين فحسب، بل أيضًا على الجنود الإسرائيليين. فخلال انتفاضة الفلسطينيين (الإنتفاضة الكبرى)، حث ليبوفيتس الجنود على عدم الخدمة في الأراضي المحتلة وعلى عدم الامتثال للأوامر. ووصف الجيش الإسرائيلي بأنه أصبح جيشًا يقتل الأطفال، مما تسبب في موت العديد من الأطفال الفلسطينيين تحت رصاص الجنود الإسرائيليين. هذا الوضع الذي ترتب على الاحتلال يعتبره ليبوفيتس “فسادًا”.
ليبوفيتش أذان أيضا العنف ضد الأطفال الفلسطينيين، واصفًا الأمور التي تقع بمعاملة الجنود للأطفال بالمروعة والمرعبة. وأشار إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك أي حل سوى رفض الامتثال والخدمة في الأراضي المحتلة.
تركيز ليبوفيتس على ضرورة الحل القائم على الاقتسام إلى دولتين كان دائمًا واضحًا. لكن، على الرغم من تحليله الواضح والمنطقي، فإنه واجه صمتًا وتجاهلاً من قبل بعض الأوساط.
كخلاصة، يمكن القول إن عدم مراعاة هذه الرؤية في ذلك الوقت قد تسببت في تفاقم خطورة الوضع وما تبعه من أثار سلبية ومدمرة للجانبين الفلسطيني الذي(احتُلّ) والإسرائيلي المُحْتَلٌّ.
*شكيب حلاق: أستاذ باحث، حاصل على دكتوراه في الأدب الألماني
– أستاذ اللغة الألمانية بباريس
– صدر له كتابين باللغة الفرنسية :
Le réalisme magique chez Franz Kafka
un penseur lumineux, Muhammad shahrour