
- بقلم: زكية حادوش
رسالتي هذه موجهة إلى شخص غادرنا في هدوء…كما عاش. أحمد لم يلج المدرسة ولم يحصل على شهادات عليا يتباهى بها من يملكون “حمصة” في عقولهم، ويسطون على المناصب وعلى ما يواكبها من “هيلمان”. أحمد كان رجلا بسيطا في مثل عمري. قضى جل حياته المقتضبة في قيادة مرسيديس 207 التي لا يصلح غيرها لجبالنا الشمالية، ينقل فيها الزيتون والبرقوق وركاب سوق يوم الإثنين.
أحمد تزوج، بلا هرج ولا مرج، بامرأة جبلية، من نفس جبله وجيله، وأنجب معها ثلاثة أبناء، وعمل كل ما بوسعه لكي يعيش كل من أبنائه عيشة مختلفة كل الاختلاف عن حياته…حياة فيها مدرسة للجميع وشهادات لمن يجتهد ويستحق وشغل يصون الكرامة ويضمن الترقية عن جدارة واستحقاق.
أحمد عاش كغيره من أبناء جبال الريف، المستعربين، حامدا لله وشاكرا لنعمة الماء والخضرة وقوت يومه، بجمال وجهه المتوسطي وجسده المسخر لأسرته الصغيرة والكبيرة. لم يقرأ ماركس ولا لينين، ولم يعرف حتى من هو تروتسكي، لكنه كان يحفظ عن ظهر قلب أين تخبئ كمائن الدرك ومتى لا تنفع المفاوضات “الودية” لاسترجاع 207 من المحجز البلدي.
أحمد لم يكن يحفظ النشيد الوطني عن ظهر قلب، ولا سورة البقرة، ولا نشيد الأممية الاشتراكية ونشيد المقهورين من عمال المناجم ومن قاوموا الظلم في الأمم، لكنه كان يدرك متى ينحني حتى تمر العاصفة، وينهض من الرماد ليمنح أطفاله وحتى أمه الأرملة حلوى السوق الملونة التي تشبه وسادة صغيرة…تأكلها وتحس بالاستقرار.
أحمد لم يكن منمقا في الكلام، لكنه ذات يوم قال لي: ” اسمحي لي، لا أحب حتى الشعرة التي سقطت من رأسك أن تتأذى، فكيف بالشعرة الملتصقة برأسك؟”
لم يكن يريدني أن أتألم، في عز ألمي. ولم أكن أريده أن يتألم. لذلك، بكائي عليه سيكون هادئا، لأنه دخل في غيبوبة وغادرنا. ربما هو داء السكري الذي تمكن منه، ربما هي أرواحنا التي لم تعد تساوي شيئا في زمن الرأسمالية المتوحشة، ربما هو الأجل ولكل أجل كتاب، المهم أن أحمد غادر دون عذاب، وهذا ما كنت أتمناه له، بعد عمر طويل. لكنه رحل الآن، ولا اعتراض على قضاء الله.
أخي أحمد، حيث كنت لا أريدك أن تتألم ولا أن تتألم زوجتك وذريتك من بعدك هنا، لأنك قلت ما قلته وكنت ما كنته! ولتذهب الشواهد والفوارق الطبقية وكل المظاهر الزائفة التي تصنفنا إلى الجحيم! ولتذهب أنت إلى جنة الخلد!