اخبار بسمةاصواتهنالسلايدر

الدهشة…هل فقدناها؟

بقلم: د. العالية ماء العينين

بسمة نسائية/ أصواتهن

الثورة المعلوماتية والرقمية التي حدثت ما بين الثمانينيات والتسعينيات إلى يومنا هذا، جعلت من المقارنة بين الفترتين، صورة مهولة وصادمة. كأننا في عصرين مختلفين تماما وبينهما فارق زمني طويل…

فما كان يحدث خلال سنوات عديدة من تطور أو ظهور أساليب ووسائل تقنية جديدة. أصبح يتزايد بوتيرة مجنونة، فلا تكاد معها تأخذ أنفاسك أو تستمتع بما تقدمه لك، حتى يتقادم و يفقد دهشته…

الدهشة ؟

أتساءل هل ما زال هناك مجال لهذا الإحساس الساحر، الذي اجتاحنا عندما اقتنينا أول “جهاز لاستقبال القنوات الفضائية” وانفتحنا على العالم من خلال جهاز التلفزيون..أو أول هاتف نقال، بشكله الذي سيبدو اليوم وكأنه من العصر الحجري. أما “دهشة” اكتشاف عوالم الانترنيت فلا سبيل لترجمتها، فهذا العالم الكبير أصبح بالفعل قرية صغيرة، وبكبسة زر وحركة “فأرة ” تفتح أمامك نافذة تطل منها على العالم وتمد يدك للسلام والكلام مع أصدقاء في أية رقعة على الأرض. وتفتح خزائن المعلومات والمكتبات…

وبكلمة( مفتاح)، واحدة تستطيع أن تتابع وتسترجع أقدم المسلسلات والأفلام والبرامج…

شيء يشبه السحر ومصباح علاء الدين. فيكفي أن تمرر عليه يديك وتطلب ما تشاء، لتجده بين يديك وأمام ناظريك بكل بساطة.

فهل ما زال هناك مجال للدهشة؟

تعود بي  الذاكرة إلى سنوات من طفولتي، لم أكن أظنها بعيدة حينما كنا نستعمل جميعا الهاتف الثابت، ونشاهد القناة الوطنية، المصدر الوحيد للأخبار و المنوعات الغنائية و الدراما و السينما.. وكنا حينها ننتظر الحلقتين الأسبوعيتين من المسلسل العربي الوحيد وبعض الأفلام العربية والأجنبية  التي يتكرم بها علينا “التلفزيون” بين الفينة والأخرى أيام الأعياد والمناسبات…

كنت عاشقة لعوالم السينما والحكايات الرومانسية. وأتذكر يوم علمت انه سيتم عرض فيلم”لحن الوفاء” لعبد الحليم وشادية على التلفزيون وكنت – لسوء حظي- ملزمة بالذهاب للدراسة. شعرت بألم لا يوصف وإحساس من سيحرم من النعيم. وبعد تفكير عميق، اتفقت مع صديقتي أن نطلب من أختها أن تسجل لنا الفيلم، ولم يكن الأمر يتعلق بالفيديو، بل على كاسيت في جهاز تسجيل صوتي…

حصلت على التسجيل بإحساس من يقبض على كنز. وكنت أستمع لحوار عبد الحليم وشادية ولأغانيهما الجميلة

تعالي أقل لك…..حتقول ايه؟

لازم اقل لك…..و ساكت ليه…

حسأل سؤال و ترد عليه و ترد عليه

…..

كنت ملتصقة بالجهاز الصغير الذي تصلني منه الكلمات والنغمات وأنا في قمة النشوة. وكانت مخيلتي تساعد أذني في استرجاع تلك المشاهد الرقيقة التي جمعت شادية بعبد الحليم حافظ…

لست من هواة “تمجيد الماضي” أمام الحاضر والمستقبل إذا لم يكن هناك فعلا ما يستحق ذلك. ولكن لي يقين أن هذا التطور الهائل الذي نعيشه اليوم خصوصا على مستوى الوسائط التقنية المتعددة، أفقد الناس تلك ” الدهشة” التي كانت تنتابهم عند كل جديد وقللت من الإحساس بالمتعة في المتابعة أو الوصول إلى ما نحب مشاهدته أو الاستماع له لأنه أصبح متاحا…وبأبسط الطرق.

و حلت محلها الرغبة والتطلع إلى “الجديد” أو “ماذا بعد”..

إلا أن الشيء الأكيد، الذي لا يجب أن نتجاهله أو نتنازل عنه، هو أن يظل الإنسان –فينا- مكمن الدهشة الأولى والمستمرة..في قدرته الخارقة على أن يكون العقل المحرك لكل هذا من جهة، والقلب الذي يستطيع أن يحتضن العالم بين دقاته…من جهة أخرى.

——-

(مقالة سبق نشرها على صفحات مجلة سيدتي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى