لاس فيغاس .. دعم تعليم الفتيات بطعم الماراطون

لاس فيغاس/ نادية أبرام
في معرض (ناب شو ) للجمعية الوطنية لمهنيي البث بلاس فيغاس بالولايات المتحدة، وهو الأكبر في المجال عالميا، التأمت مؤخرا دورة جديدة لهذا الحدث السنوي، حضره متخصصون من كل بقاع العالم ، لكن في كل دورة يحضر أيضا ممثلون عن جمعيات المجتمع المدني ومنظمات دولية من أجل التحسيس بقضايا يدافعون عنها عبر تنظيم بعض التظاهرات، وهي تظاهرات توفر المتعة والفائدة في نفس الوقت، وتخرج المشاركين من فضاء اللقاءات والنقاشات والعروض إلى فضاء تكتسب فيه خبرة حياتية جديدة وتجربة مغايرة .. كان الحظ حليفي لحضور الدورة الأخيرة للمعرض لأعيش أجواءه والاطلاع عن عروضه، وما أثارني أكثر هو إعلان حول تنظيم ماراطون لا تتعدى مسافته أربع كيلومترات بحديقة سانسيت بارك الشاسعة الأطراف بضواحي مدينة لاس فيغاس.
كان لابد من الاطلاع عن الجهة المنظمة والأهداف التي تعمل من أجلها، اتضح لي أن هذه المبادرة تنظمها سنويا جمعية خيرية. .. لدعم الفتيات المحتاجات لاستكمال دراستهن، والجميل في الأمر أن الماراطون تبناه معرض ( ناب شو )، وأضحى ضمن برامجه القارة لجمع التبرعات لفائدة فتيات يصعب عليهن دفع مستحقات الدراسة الجامعية المكلفة .. في أول وهلة أحببت الفكرة لكن عندما اطلعت على أهداف المبادرة وما قدمته الجمعية من مساعدات، زاد إصراري على المشاركة في الماراطون .. لم تستوقفني وقتها أسئلة حول جنسية الفتيات اللواتي سيتلقين الدعم ولا عن أوصولهن وعرقهن وديانتهن، بل ما همني في الموضوع هو قضية تعليمهن، جازمة أن الانخراط في دعم التعليم لا يحتاج إلى تساؤل أو تردد بقدر ما يحتاج إلى تفاعل فوري و المشاركة ..
قضية التعليم قضية كونية وتهم الجميع ولا استثناء فيها على الإطلاق. لذلك قمت أنا وصديقتي هاجر، وهي مهندسة شابة تعمل في وكالة المغرب العربي للأنباء، بإدراج اسمينا ضمن لائحة المشاركين لدى الجمعية بعد دفع مساهمة نقدية، وتسلمنا رقمينا 228 و229 ، هذا الأخير نقش في ذاكرتي كنقطة ضوء ستظل مصدر اعتزاز وسببا وجيها لتحفيزي على مشاركات أخرى مماثلة خدمة لقضايا أؤمن بها وعلى رأسها التعليم. استيقظنا في الخامسة صباحا قبل شروق شمس لاس فيغاس، وأعددنا العدة ثم خرجنا بملابسنا الرياضية لنلتحق بالمشاركين في أحد فنادق المدينة حيث الحافلات التي ستقلنا كانت في الانتظار .. كان الجو جميلا ودافئا رغم بعض الرياح التي تعرف بها المنطقة الواقعة بولاية نيفادا، لكن التفكير كان منصبا فقط على قطع مسافة الماراطون في وقت مشرف يقنعني ذاتيا وموضوعيا بهذه الطفرة الجميلة.
انطلقت الحافلات ممتلئة عن آخرها صوب الحديقة، لدى وصولنا وجدنا في استقبالنا فريق من أعضاء الجمعية رفقة متطوعين آخرين من مختلف الأعمار يتحركون كخلية نحل من أجل تهيء ظروف جيدة للتظاهرة، كل شيء كان منظما بشكل محكم وجميل، إعداد طاولة كبيرة وضعت فيها قنينات الماء والعصير والموز وبعض الحلويات والمكسرات التي تمد بالطاقة … واستعدادات بالحركات مصاحبة بالموسيقى ومنشطون يشجعون المشاركين بمكبرات الصوت .. قبيل انطلاق الماراطون القيت كلمات لأعضاء من الجمعية تحدثوا عن جمعيتهم واختيار الماراطون كوسيلة لجمع التبرعات، ولفتوا الانتباه إلى حلمهم في تحقيق عدد المشاركين المطلوب للحصول على منحة مهمة من أحد الميسورين الأمريكيين الذي اشترط تسجيل أزيد من 400 مشارك للحصول على منحة تفوق 10 آلاف دولار ، وما حصل كان أكثر من التوقعات، اذ تسجل 739 مشارك ومشاركة من بينهم سكان المدينة الذين لبوا الدعوة .. هو عدد بالنسبة للجمعية حافز قوي للاستمرار في المشروع . انطلق السباق والكل متحمس، فكنت سعيدة جدا وأنا اركض وأصارع الرياح حتى تنقطع أنفاسي وعندما أتذكر الهدف استعيد قواي واركض دون أن ألتفت ورائي، وكلما قطعت مسافة أشعر بالفرح يغمرني وأتمنى لو كانت الفتيات المغربيات ضمن المستفيدات .. مبادرة جميلة احتاجت فقط مساندين كرماء قدموا الدعم اللوجيستيكي، جنت من ورائها الجمعية أزيد من 60 ألف دولار وتتطلع لتحقيق المزيد من أجل التعليم.
ليتنا نستنسخ هذه التجربة ونوظفها في بلادنا من أجل بناء الأقسام ودعم فتيات القرى للاستفادة من التعليم الذي نحتاجه لمقاومة القبح والجهل والعبث في حياتنا ونكون مواطنين يستحقنا هذا الوطن ويفخر بنا.