انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
رأيهم

تأملات في حقيقة العيد..

كيف يستقيم العيد ومؤشر السعادة هو 112؟

بقلم: عبد العزيز العبدي

“الأعياد تُخبرنا من نحن، وماذا نريد أن نكون” – كليفورد غيرتز

في زحمة الأيام التي نعيشها، يطلّ علينا العيد كضيف ثقيل يحمل في طياته تناقضاتنا جميعاً. ليس العيد هنا مجرد مناسبة للفرح والبهجة كما يُروّج له، بل هو مرآة عاكسة لهشاشتنا الإنسانية وزيف علاقاتنا الاجتماعية. تلك الأجساد التي تتبارى في شراء الثياب الجديدة بينما تكابد آلام الجوع في الخفاء، وتلك الموائد العامرة التي تخفي وراءها أياماً من التقشف والعوز، كلها تشي بحقيقة مؤلمة: نحن نحتفل بما لا نملك، ونظهر ما لسنا عليه.

في صباح العيد، ننهض كالممثلين على مسرح كبير، نرتدي أقنعة البهجة ونلقي تحيات مكررة بلا معنى. نتبادل عبارات ” كل عام وأنتم بخير” بينما الأعوام تمر بنا ونحن على حالنا، بل ربما إلى أسوأ. ننسى في زحمة الزينة والأضواء كل آلامنا، نتناسى دماء الأطفال في غزة، نطوي صفحة الجوعى في بلادنا، تتوارى جراح ضحايا الزلزال وكأن الفرح المفروض علينا يمحو كل هذه الحقائق المؤلمة.

الخطبة الرسمية للعيد تتردد في المساجد، تملأ الأجواء بكلمات جوفاء عن الوحدة والأخوة، بينما نعيش واقعاً ممزقاً بالصراعات والتفاوتات. الموائد الفاخرة التي نتباهى بها أمام الجيران ليست دليلاً على الوفرة، بل هي شهادة على تناقضنا الاجتماعي الصارخ. فبينما يشبع البعض إلى حد التخمة، يظل آخرون يبحثون عن فتات الطعام.

حتى فرحتنا أصبحت سلعةً نستهلكها، نشتريها مع ثياب العيد وحلوياته. فرحةٌ تقاس بالأموال التي ننفقها، لا بالكرامة التي نحصل عليها. فرحةٌ مرقمة بمؤشرات السعادة الدولية التي تضعنا في ذيل القائمة، ومع ذلك نصرّ على الادعاء بأننا “أسعد الشعوب”.

في خضم هذا المسرح العظيم، يبرز سؤال وجودي: أي عيد هذا الذي نحتفل به؟ وأي فرح نبحث عنه؟ هل هو فرح الأجساد الحرة التي تعيش بكرامة، أم فرح الأجساد المقيدة التي تبحث عن لحظة عابرة من النسيان؟

تحت زينة العيد البراقة، تكمن حقيقة مرة: نحن نحتفل بالحياة بينما ندفن أحلامنا يومياً. نرتدي الجديد بينما تتهرأ إنسانيتنا. نتبادل الهدايا بينما نفقد القدرة على العطاء الحقيقي. العيد لم يعد مناسبةً للفرح، بل أصبح طقساً اجتماعياً فارغاً نكرّس من خلاله خضوعنا واستسلامنا.

في العيد، نتقمص أدوارا بهلوانية، عبر لباس رفيع ولغة مثقلة بالرياء والنفاق وموائد لا تعبر حقيقة عن النقصان الهيكلي في قفتنا اليومية.

العيد فرح، الفرح شعاع من الضوء منبعث من أجساد حرة، تعيش بكرامة، وغير مضطهدة، وسعيدة…

فكيف يستقيم العيد ومؤشر السعادة هو 112؟

في النهاية، تبقى التحية التقليدية “عيدكم مبارك” معلقة في الهواء كسؤال وجودي أكثر منها تمنياً بالخير. فهل يمكن أن يكون العيد مباركاً حقاً في ظل كل هذه التناقضات؟ وهل يمكن أن نجد الفرح الحقيقي بين أنقاض أوهامنا؟ ربما يأتي اليوم الذي نعيد فيه اكتشاف معنى العيد الحقيقي، عيد الكرامة الإنسانية والحرية الحقيقية، لا عيد الاستهلاك والزيف الاجتماعي.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا