دوام الحب من المحال!

إكرام عبدي
أكيد أن وجهه النضر يزهر في كل لحظاتها؛ وأن النسيم العليل الذي كان يمضي إليه كل صباح كي يزرع فيروزها في قلبه، قد ضيع الطريق إليه هذه المرة، وأن ذكراه تحفر أخاديد من الآه في صدرها، و لا وقت له كي يبصر ما خلّفه حبه الهادر من اجتثاث في شجر أمانيها، كانت تسمع قصص العشق الحزينة وأهوال الحب وعواصفه، و طرقاته الوعرة والشائكة، ولا تتعظ، تظن أنه لا ألم في الحب، بل الألم في الخوف الذي ينتابنا من الفراق.
أكيد أن خفقته في دواخلها تشبه كل خفقات الحب التي مرت بها، لكنه تصر في كل مرة وبلا ندم أن تعشق بتطرف الأنثى الولهى، وتستجدي أزمنة إضافية كي تنعم بقربه، وتعيث جنونا في حدائقه، البداية تباغتها، أما النهاية فترتب لها في لاوعيها وداعا جميلا يليق بأبهة عشقها، فاللحظات العاشقة هاربة ومنفلتة، لهذا تهيم به وكأنها ستفقده في أية لحظة، تحضنه وكأنه آخر فرحها، تقبله وكأنه آخر لوعتها، تنادمه وكأنه آخر كأسها، تدنو وتدنو حد الذوبان، وأكيد أن فرط قربها، يعمي بصرها وبصيرتها.
بحكمة المرأة، توازن شخصيتها بنضج وطفولة شقيين، تدرك أن منطق اللاتوقع سمة هاته الحياة، وبميل فطري لدى الإنسان إلى الهدم واللاكتمال، تؤمن أن دوام الحب من المحال، وأن الشمس التي تتوق إليها، قد لا تشرق في نهايتها مثلما أشرقت في بداية صدفتها اللذيذة، وليس أقبح مما يدوم، الدوام يقبر الذكرى، يخلق لنا الألفة مع الأشياء والروائح والأمزجة والأمكنة، ويخلق الشعور بالأمان والسكينة ويقبر القلق.
هي اعتادت نهب السعادة واختلاسها في حضنه، ومتى أذعن لها الفرح ؟ ومتى افترش لها مائدة مباهجه بكل أريحية؟
حين فقدته؛ ظلت تلملم خسارات من يحيط بها، تتأملها، كي تهون عليها فجيعتها، هكذا تعودت، أن تستهين بفقدها كلما تأملت فجائع من حولها.
لم تحبه كما سطر الأولون، فهي لا تجيد الحب على المقاس أو وفق مخطط وضعتها مؤسسات، تركت حبها يروضها كما يشتهي، حرا بعنفه ووحشيته و عنفوانه، بعدما أدرك أنها جديرة به، ولم تعشق بإيقاع مضى أو قادم، بل حبها كان يتوهج بموسيقاها برغبتها بفرحها بفكرها بحزنها بجنونها…. لا شيء يأتي بعيدا عن نبضها.
هي اليوم وحيدة، تجيد ترتيب بيتها الداخلي من جديد، قد يلزمها وقت كي تنحي عطره من رقبتها وقد تشكو الستائر غياب همسه والمشجب غياب قميصه، وقد تعاقبها الأباجورة على ارتكاب إثم الليل دون حضوره، وقد يفضحها الشوق ويغمرها حتى لا يبدو شيء منها، وقد تحلم به ذات ألم، لكنها تجيد هدهدة حلمها و التربيت على كتفيه بحنو، وتركه نائما بلا أي صباح.