“لاجئ ماشي بحال لاجئ”… أو الإفلاس الأخلاقي الأوروبي

بقلم: البروفسور عزالدين الابراهيمي
و أنا أتابع هذه الحرب الأوروبية، استثارتني و بحرقة هذه المفارقة المريرة…
نعم أثمن كثيرا ما تقوم به أوروبا لإسعاف اللاجئين و المشردين الأوكرانيين… و أعتبره أمرا طبيعيا بل واجبا… و لكني أختنق و أتحسر كلما قارنت هذه الهبة الأوروبية… و أتذكر كيف أشاحت أوروبا بوجهها عن و جوه الكثيرين من اللاجئين الغير البيض… من عرب و سود و ” بُنِّيِين” و مسلمين… و استرجعت صورة “إيلان” وهو مقفى على وجهه في رمال شاطئ… و التي لم تحرك الكثير مما نراه اليوم من تضامن… هذه المفارقة تجعلني أسائل نفسي عن مفهوم الإنسانية و التضامن … في زمن الأزمات و الحروب… لأن
جلنا لا يختار الحرب و لكن نبتلى بها.
و أخيرا يكتشف الأوروبيون أن اللاجئ و المشرد ليس دائما رجلاً بنيًا و مسلما … قد يكون المشرد أبيضًا ومسيحيًا… المشرد ليس مرادفا للون الأسود … و لا للعرق العربي و الإفريقي… و لا للدين الإسلامي أو اليهودي… يمكن لأي شخص منا… أن يصبح يوما ما… و لظروف ما… “ريفوجي” … ليس من “أنت كإنسان”، ما يجعل منك نازحا… فقد يحدث لك هذا بغض النضر عن من تكون… و ليس له علاقة لا بعرقك و لا ثقافتك و لا دينك و لا لونك… يمكن يوما ما أن تصير لاجئا… فلا اختيار لك فيه… و أعجب كثيرا، أن الكثيرين من الاوروبيين لا يستسيغون أن “تقصف أوكرانيا كأي بلد مثل أفغانستان و سوريا و العراق”… ” و كأننا في حرب في الشرق الأوسط”… ما هذه الدونية… و كأن هاته البلدان مكتوب عليها بحتمية قدرية أن تكون مرتعا للحروب… فالحرب يمكن أن تقع في أي مكان في العالم..
فالحرب لها نفس الآثار..
في الحقيقية و عمليا و على أرض الواقع… فالحرب لها نفس الآثار أينما حلت واستقرت… و نفس النتائج… فصرخات الأطفال و النساء ليس لها لون أو بلد أو عرق…الحرب تخلف الفقر و التشريد للملايين أينما حلت… و المفارقة العجيبة… أن نفس القنابل الروسية التي شردت السوريين… تشرد اليوم… الأوكرانيين… و سبحان الله و رغم أنها نفس القنابل و نفس المهاجم… إلا أن الأوروبيون قرروا أنهم ليسوا نفس النازحين و المشردين… عجيب… فالحرب و القنابل، أكثر عدالة من الإنسان… فهي لا تفرق بين البشر حسب العرق و الدين… و لا اللون… فهي تفتك بالذوات و تشتهي الدم الأحمر الذي بجري في عروق الجميع… من سوريين و أوكرانيين… و لكن الكثيرين في أوروبا قرروا خلق بعض المعايير المختلفة في قبول اللاجئين و التبريرات… للتضامن مع البعض و غض الطرف عن الآخرين… متناسيا كل المبادئ الإنسانية والمرجعيات الكونية….
و يا ما تشدق الأوروبيون بهاته المبادئ و المرجعيات الإنسانية في وجهنا… و صدقناهم عن حسن نية… ولم نتصور أبدا أن قيمهم هاته… قيم نسبية… مقرونة بالزمان والمكان… و اللون و العرق و الدين… و أنهم سيفرقون يوما ما، بين اللاجئ الاوروبي و العربي و الافريقي… تحت شعار “ماشي لاجئ بحال لاجئ”… هذه الأزمة أفرجت عن ملامح بعض “الخلايا العنصرية النائمة” عند الاوروبيين و كشفت الدونية التي ينظرون بهاً إلينا…
سعيد، أنا… أنهم يفعلون المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و الذي ينص على إمكانية أي شخص من مغادرة بلده… و الهجرة كحق من حقوق الإنسان… فرح أنا،… بأن الكثير من الأوروبيين يكتشفون أخيرا… اتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين و يجتهدون في تطبيقها… و فجأة ظهرت إمكانيات الاستقبال و التوطين مع الترحيب المنقطع النظير باللاجئين…. و كأن هذه الاتفاقيات و المبادئ… لا تطفو على السطح إلا عندما تحتاجها أورويا لتبرير مواقف معينة.
يا ترى، أين كانت كل هذه المشاعر الجياشة و الكرم قبل شهرين عندما تجمع الآلاف من العالقين على الحدود البولندية- البيلاروسية… أين كانت ضمائرهم، عندما توفي أكثر من 23 ألف إفريقي غرقا بالبحر الأبيض المتوسط منذ 2014… لماذا لم تجند كل هذه الإمكانيات للسوريين و العراقيين… للأثيوبيين و الاريتيرين؟…
؟ لماذا هذا المكيال بمكيالين
نعم… فلتذهب كل هذه المبادئ للجحيم… فأوروبا لها “فوبيا” من نوع خاص من اللاجئين… و تفضل النازح المحلي و لاجئي القسم الممتاز… و… وترفض استقبال النازح المستورد من أفغانستان وأفريقستان و عربستان… و أعجب من تبريراتهم لهذا التصنيف… و المعايير المزدوجة لهذه التصنيفات و التي تداعب المفاهيم العنصرية..
الاوكرانيون أقرب إلينا..
كيف ذلك… فأنا مثلا… كنت أظن أن الفرونكفونيون أقرب للفرنسيين… حتى اكتشفت، مع هذه الحرب، أن أوكرانيا أقرب… كنت أظن أن السنغالي و المغربي… لهم تاريخ و لغة ومعيش مشترك مع فرنسا أكثر من أي أوكراني… ظننت أن الدم الذي جرى تحت الراية الاستعمارية بأوروبا و فيتنام، يجمعنا… و كذلك الدم الذي يجري في شرايين الملايين من ذوي الأسر المزدوجة الجنسية… و لكني اكتشفت أن الاوكرانيين أقرب بفضل عيونهم الخضراء و شعرهم الأشقر و ديانتهم.
أختنق و إياكم و أنا أسمع بعض التعاليق الأوروبية و كأنني لست إنسان… عندما يعاني العرب والمسلمون والسود… نعتقد أنه أمر طبيعي …. و كأن “البيض” لا يشعرون بالألم إلا إذا مس أقاربهم و بني جلدتهم… دم النساء نفسه أحمر و البسمة و الالم و الامل. نفسه بين سوري و أوكراني و فرنسي… الاطفال أطفال… أو ليس لدينا الحق في الحياة كالأخرين و أن نكون مهاجرين و مشردين و نازحين من نفس الصنف… أو مو سبينس سبيينس… أدهى و أمر… نرفض الانتقاء حسب اللون و العرق الذي جرى على الحدود البولونية الاوكرانية و الذي تعرض له بعض إخواننا البنيين و السود المستقرين بأوكرانيا… و الذين أنزلوا من القطارات على الحدود البولندية لكونهم لا يملكون هاته الشروط..
و كأنه… لم يعد من حقنا أن نكون لاجئين و مشردين بسبب الحرب… وكأن لوننا و سحنتنا يعكران صفو سمائكم… و ملابسنا تشوه منظر مدنكم وأوطانكم… و لغتنا تؤذي بسماعها أذانكم… فلم يعد لنحيبنا أي صدى… و كأن عويل الأوروبي أوقع… لأن جروحه أندب… و دمعة من عيونه الزرقاوات تعذب أكثر… كل هذا… رغم أن لاجئينا لم يطالبوا قط بما ما تمنحونه اليوم… بيوتا و تدفئة و تنقل و رحلات… وتطبيب و تدريس… بالمجان… بينما لاجئونا كانوا و مازالوا قنوعين جدا… يحلمون فقط بالوصول إلى بلدانكم… كأنها جنات الخلد… و العيش على الهامش حتى لا يزعجوا راحتكم… أتعرفون لماذا… لأننا خلقنا لاجئين… و الكثيرون منا يعيشون لاجئين في بلداننا… و يحلمون كل يوم باللجوء إليكم…
و بدون لغة خشب… أقول:
قبح الله الحرب أينما حلت و ارتحلت…أكانت في إفريقيا أو الشرق الأوسط أو أفغانستان أو أوكرانيا… وأدعو للاشتغال على أنفسنا… أولا حتى لا نكون يوما ما نازحين و لاجئين… بل أكثر من ذلك يجب أن لا نحدو حدو أوروبا… يجب أن نقف إلى جانب كل إنسان مهما كان عرقه أو لونه… أو لون عينينه و شعره… القيم الإنسانية ليست حكرا على أحد بل هي ملك للجميع… في بلدنا، يوجد الكثير من النازحين و المشردين… و أنت تلتقي بهم في شوارعنا… تذكر أنه في أي لحظة يمكن أن تصير في وضعيته… كما وقع لإخوتنا… نعم لإخوتنا الأوكرانيين… فكن لطيفا… وديعا… كريما… متضامنا معهم… و اخفض لهم جناح الذل من الرحمة…
… حفظنا الله جميعا