انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
اصواتهن

نرجس بريء منكم يا قوم!

رسائل تأخرت عن موعدها

  • بقلم: زكية حادوش

رسالتي هذه المرة رسالة للغير… لكل من اعتبر رسالتي السابقة إلى نفسي نرجسية وإغراقا في حب الذات. اطمئنوا يا أيها الأغيار، يا أخواتي وإخواني، صديقاتي وأصدقائي، بناتي وأبنائي، وأحبتي (وهؤلاء بالذات لأنهم قليلون تكفي أصابع اليد لتعدادهم ولن تتعذب معهم المندوبية السامية للإحصاء!)، لن تجدوا في محيطكم، الذي أعرفه كما أعرف جيبي، من يزهد في حب الذات أمثالي إلا القليل!

شخصيا، من زهدوا في حب الذات وهاموا في حب الوطن وأهله وعاشرتهم لمدة كنت أتمنى بجوارحي أن تطول ولو للحظة وأُدْفَن معهم بدل أن أواريهم الثرى، من تعلقتْ روحي بروحهم ورأيت بعين قلبي عقولهم المتسامية فوق البشر وهمت عشقا بحكمتهم وبتواضعهم اللامتناهي، هؤلاء هم من أشتاق إليهم اليوم وأفتقد كل ذرة في كيانهم وأتأسف حد لطم الجاهلية على وطن فرط فيهم وأذاقهم من المر ما سقي سقراط!

هؤلاء الأبطال المنسيون على هامش “العهد الجديد”، هؤلاء العباقرة الذي أنكرهم “وادي عبقر” المغرب، يكفيني فخرا أني عشت معهم لأني من صلبهم، أو اشتغلت معهم، أو تعرفت عليهم بحكم المصاهرة أو العلاقة الجمعوية أو الإنسانية! هذا يكفيني ويرضي غروري ونرجسيتي المزعومة. لكن، على الأقل، عرفت قيمتهم في ميزان الأدمغة والأخلاق ولم أتنكر لهم ولإرثهم.

أما النرجسية، بمفهومها “المغربي” الأعوج الحديث، فهي التنكر لمن أنجبنا ولمن علمنا وجعل منا بشرا ناطقا، والركوب على ظهر كل دابة أتاحتها الفرص، من الموظف الخدوم (الغبي بمفهوم الانتهازيين) إلى المسؤول المرتشي، مرورا بالعاهرة رغما عنها. النرجسية هي أن تنظر في المرآة وترى بدل النعجة “المذلولة” ذئبا تسير بذكره الركبان ويبدو لك نفسك أسدا أطلسيا أو خيلا عربيا أصيلا وأنت مجرد فأر لا يرقى حتى إلى ظرافة “ميكي ماوس” الإمبريالي!

النرجسية هي أن ترى الآخر مجرد خادم لك، أو مسبحا باسمك (حاشا وسبحان الله الخالق وحده). وإن لم يكن كذلك، فهو بالتأكيد عدو مبين، وعليك أن تنفيه، أو تفنيه، وإن لم تستطع فأن تظلمه وذلك أضعف العقاب…أن تنغص عليه حياته وحياة خلفه.

النرجسية، على الطريقة المغربية، بالنسبة للطبقة الوسطى المفترى عليها (لأنها انقرضت أصلا) أن تبدي للناس ما تستر، و”تتفشخر” عليهم بما تملك وبما لا تملك، وترتبط على إنستجرام ويحملوك فوق العمارية وتفرق “بوسات” الصباح والمساء، وحتى وسط الظهيرة، المفتعلة والمبتذلة. وتركب “الرانج” التي يجب على مخترعها وراكبها ومستقلها أن يخضعوا للمساءلة عن حصتهم الكاربونية! ثم ينتهي بك الأمر إلى السب والقذف والكلام النابي المتبادل بين “الزوجين الافتراضيين”، ثم الولوج إلى السجن الأقرب إلى مقر السكنى والخروج منه بعد عام ونيف على أنغام “الدقايقية”!

ما أتفه النرجسية على الطريقة المغربية، التي ما هي سوى من تمظهرات النرجسية الرأسمالية! رغم أنها نرجسيتان: نرجسية الفوق ونرجسية التحت، وبينهما المسكين “نرجس” الإغريقي الذي لم يرتكب من ذنب سوى أنه عشق صورته في ماء البحيرة إلى درجة تقبيلها وانتهى الأمر بغرقه. تراجيديا إغريقية بحتة! اتركوا “نرجس” التعيس في مأساته، فهو لم يظلم إلا نفسه، ولم يظلم الآخرين. كما أنه توارى عن الأنظار في بحيرته، ولم يلتقط “سيلفي” للذكرى!

اتركوا عنكم “نرجس” ينام بهدوء في بحيرته، فهو بريء منكم! واخترعوا لأعطابكم النفسية مصطلحات جديدة تليق بمقامكم يا قوم!

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا