الشخص المعاق والحق في العلاقة الجنسية
عدنان الجازولي ينال شهادة دكتوراه الدولة بميزة حسن جدا

عزيزة حلاق
لأول مرة في المغرب وفي العالم العربي، يحول باحث أكاديمي الإعاقة والجنس من موضوع طابو ومسكوت عنه إلى موضوع أطروحة دكتوراه الدولة. الباحث هو عدنان الجازولي المناضل السياسي والحقوقي والأستاذ بكلية علوم التربية، والموضوع الذي اختاره هو :” تمثل الجسد لدى الشخص في وضعية إعاقة وتأثيره على العلاقة مع الجنس الآخر”.
وسط حضور مميز، وأمام لجنة مناقشة علمية رزينة، انطلق الجازولي من طرح أسئلة حارقة بلغة لا التواء فيها حول واقع الشخص المعاق في المجتمع المغربي وفي السياسات العمومية وحاول أن يجد أجوبة عن علاقة الجنس وتمثل الجسد لدى الشخص المعاق، من خلال بحث ميداني استكشافي هم عينة ضمت أكثر من 300 مستجوب ومستجوبة ينتمون لمختلف جهات المملكة.
وقال في تقديم أطروحته، إن الشخص المعاق ظل لغزا غامضا، خاصة حين يتعلق الأمر بحياته الجنسية، وظل المجتمع يشكك في قدراته الجنسية وفي إمكانية قدرته على الزواج والتوالد، إلى أن أقرت الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة على ضرورة قيام الدول والمجتمعات بحماية حقوق المعاقين وضمان التمتع بها على قدم المساواة مع غيرهم من البشر.
ضعف البحث العلمي حول أوضاع الأشخاص المعاقين وانعكاساتها على حوالي 3 مليون فرد ومن كل الأعمار ذكورا وإناثا ومن مختلف ودرجات الإعاقة، كان من دوافع اختيار هذا الموضوع للدراسة والتمحيص يقول الباحث، لأن هذا التهميش الذي طال هذه الفئة يعتبر ظلما ما بعده ظلم حتى لا نقول نعوتا أخرى أكثر قسوة. واختار زاوية البحث أساسا حول تمثل الجسد عند الشخص الذي يعاني من الإعاقة الحركية وتأثير هذا التمثل على الحياة الجنسية. وكان السؤال المشروع هنا هو : ما المقصود بهذا التأثر؟ هل هو نفي لأي تمتع بحياة جنسية أو فقط تقييد لها في حدود معينة؟ وكان من بين الأجوبة هو أن لطبيعة تمثل الجسد لدى الشخص المعاق تأثير على حياته الجنسية. وأن هذا التأثير يختلف حسب الانتماء إلى الذكورة أو الأنوثة.
فالتمثلات السائدة حول الجسد الأنثوي الحامل للإعاقة الحركية هي أكثر سلبية. ولعل أهم ما يفسر هذا، هو التعليقات الحرة التي أدلت بها العديد من المبحوثات على موضوع البحث، حيث صرحن بأن موضوع الحياة الجنسية غير مطروق في أوساطهن الاجتماعية. بل قالت العديد منهن بأنه موضوع مسكوت عنه رغم حضوره الضمني. ولعل من أهم ما يستخلص من هذا البحث، وجود مفارقة بين تمثل الجسد لدى المبحوثين والمبحوثات في وضعية إعاقة حركية، الذي كان تمثلا يميل في الايجابية كلما كان المبحوث يجيب على أسئلة تتعلق بتجاوبه مع جسده، إلا أن هذا التعاطي الايجابي لا ينعكس إلا في شروط معينة على الحياة الجنسية لنفس الشخص. وتبقى الخلاصة الأهم هي أن مؤسسة الزواج مؤسسة إقصائية بالنسبة للشخص المعاق عموما كان ذكرا أم أنثى، في ظل سيادة مفاهيم من قبيل الهيمنة الذكورية والفحولة المتخيلة.
لقد قدمت مناقشة الأطروحة التي دامت حوالي 3 ساعات، مادة غنية بالمعطيات، أعادت تاريخ السياسات العمومية في مجال الإعاقة والتي انتقلت من مقاربة الإحسان والرعاية إلى المقاربة الحقوقية والإنسانية. فبعد أن كنا تتحدث عن قانون لرعاية الشخص المعاق أصبحنا نتحدث عن السياسيات العمومية للنهوض بحقوق المعاق. هو تطور ايجابي، يفيد الباحث، لكن يظل غير كاف، فالعمل والاهتمام العلميين بأوضاع الإعاقة هو في أبعاده الحقيقية اهتمام بالإنسان، والمواطن في مختلف أوضاعه وحالاته، ذلك إن الإعاقة جزء لا يتجزأ من الوجود البشري.بل هي تعبير قوي عن تنوع هذا الوجود الذي ينبني جوهره على مبدأ الاختلاف.إذن يقول عدنان، فان ما يهم الإعاقة والأشخاص في وضعية إعاقة يهم بالضرورة كل أفراد المجتمع خاصة إذا علمنا بأن الدراسات الحديثة عن تطور الساكنة في المغرب، أصبحت تشير منذ سنوات إلى ارتفاع عدد المسنين في أفق عام 2030 مع ما يعنيه ذلك من ارتفاع محسوس في أمراض الشيخوخة وخاصة منها الأمراض المعيقة.
لم يكن التنويه الذي حضي به الباحث من لجنة المناقشة التي ترأسها حسن طارق، من باب المحاباة بل كان نوع من الاعتراف لعمل هو الأول من نوعه في المغرب وفي العالم العربي، يلخص لمسار 30 سنة من البحث في موضوع الإعاقة وواقع المعاق في المجتمع. ولعل ما قاله الأستاذ المؤطر عبد اللطيف كداي، في ختام المناقشة، يلخص أهمية البحث الذي قدمه عدنان الجازولي لنيل دكتوراه الدولة في علوم التربية إذ قال :” إن أطروحة عدنان الجازولي، مساهمة وازنة في بناء أرضية علمية لتأسيس سوسيولوجية المعاق في المغرب، فهي من الآن أصبحت مرجعية للطلبة الباحثين حول هذا الموضوع”.
رفعت الجلسة بعد إعلان لجنة المناقشة عن منح شهادة الدكتوراه للباحث عدنان الجازولي بميزة حسن جدا، وتنويه خاص، فضجت القاعة بالتصفيق وتناوب الحضور من أهل وأصدقاء وأحباب وطلبة على تهنئته وأخذ صور رفقته، وكانت لقطة مؤثرة حين استدعى عدنان والدته وزوجته ورفيقة دربه وولديه ليلتحقوا به إلى المنصة وسط أعضاء اللجنة، لتوثيق هذه اللحظة الفارقة في مساره العلمي والنضالي بصورة نشرها على صفحته المزهرة في الفايسبوك، وعلق عليها بجملة جميلة “فرحة العمر”.