انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

رحيل ماجدة ..لم تكن فنانة وحسب بل مناضلة حاملة رسالة وصاحبة مواقف


قبل رحيلها عن عمر يناهز 89 عاما، قدم الكاتب السيد الحراني عملا متميزا عن حياة الفنانة القديرة ماجدة الصباحي في كتابه “مذكرات ماجدة الصباحي” الصادر عن مركز الأهرام للنشر، إذ يغوص في حياتها وأعمالها والأدوار التي لعبتها كفنانة ومنتجة سينمائية ليرسم صورة رائعة لزمن الفن المصري الجميل وصنّاعه الكبار من الفنانين والمخرجين والكتاب، فليست قيمة “ماجدة” في أنها ممثلة عظيمة، فالشرق كان دائما أرضا خصبة للمواهب ومنه خرجت في القرن العشرين أعظم العبقريات التمثيلية، وليست شهرة ماجدة قائمة على أنها ممثلة مثيرة دافئة جميلة، بل لأنها مناضلة حاملة رسالة وصاحبة مواقف وطنية.

مذكرات ماجدة لا ترصد النهضة السينمائية المصرية والعربية التي عاصرتها، ولكن ترصد أيضا التاريخ السياسي والعسكري التي كانت أحد الشهود عليه وقدمته في إنتاجها، ذلك الإنتاج الذي تسبب في إشهار إفلاسها وتعرضها لمحاولات اغتيال في بيروت بسبب فيلم “جميلة بوحريد” من قبل بعض المتعصبين الفرنسيين.

تقول ماجدة عن فيلم (جميلة بوحريد) “كنت أريد المشهد الأخير في نهاية الفيلم يضم مجاميع مختلفة للثورة والثوار في العالم كله يتكلمون عن أزمة جميلة التي هي أزمة الجزائر، وكل الأراضي العربية المحتلة، وكل ضحايا الاحتلال في كل بقاع العالم، ولكن الدكتور ثروت عكاشة، وكان وزير الثقافة والإرشاد في حينها، أشار إلى أن يكون مشهد النهاية يضم مجاميع تظهر فيها أفريقيا فقط، ونفذ يوسف شاهين ما أراده عكاشة، وكنت ولازلت غير راضية عن هذا المشهد. وانتهى تصوير الفيلم وحضر فتحي الديب واللجنة العليا للجزائر وأحمد بن بلا، الذي أصبح بعد ذلك أول رئيس للجزائر في عام 1962 لمشاهدة الفيلم في الاستوديو، ووقفوا في نهايته، وأدى بن بلا ومن معه التحية العسكرية الجزائرية، وصفقوا بشدة وشكروني على تلك الهدية التي وثقت بها جرم الاحتلال الفرنسي”.

وخرج الفيلم وعرض في سينما راديو في عامي 1960 و1961 وهو العام الذي تقرر فيه إعدام جميلة، وقامت مظاهرات داخل السينما وعلت الهتافات لتحرير الجزائر، لكن في النهاية أضاف فيلم جميلة لكل من عمل فيه وقدمهم وكأنه يكتشفهم للمرة الأولى، وتحول لفيلم عالمي صنع المظاهرات في كل بلد عرض فيه، وكانت فرنسا تحتج في كل بلد يعرض فيه، وكتب عنه الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر والكاتبة سيمون دي بوفوار يمتدحانه. لقد تسبب الفيلم في ضجة عالمية كبرى وضغط على الرأي العام العالمي فتراجعت فرنسا عن إعدام جميلة.

في فيلمها “المراهقات” تكشف ماجدة عن مخطط دعائي صهيوني ضد الأفلام العربية، “لقي فيلم المراهقات دعما قويا من الدولة عندما أصدر وزير التربية والتعليم في ذلك الوقت منشورا يوزع على كل المدارس يحث جميع الطلبة والطالبات أن يشاهدوا الفيلم لكونه فيلما تربويا هادفا ولكن الصحف هاجمت وزارة التربية والتعليم، وعلق الكاتب الصحفي أحمد بهاء الدين بسؤال الوزارة “لماذا منشور كامل ورسمي لفيلم المراهقات”؟. فردت الوزارة قائلة “لأنه فيلم يوضح الأضرار السلبية السيئة للتفرقة العنصرية بين الذكر والأنثى داخل الأسر”.

وسافر فيلم المراهقات وعرض في جميع الدول العربية، وأيضا في أميركا ودخل مهرجانات وحصلت على شهادة تقدير، وسافر لمهرجان فينيسيا وعمل ضجة إعلامية واجتماعية في الخارج لأن التفرقة العنصرية داخل الأسر لا توجد داخل الأسرة المصرية فقط بل توجد في دول أخرى كثيرة، ولكن التوزيع الدولي للفيلم كشف الستار عن مخطط دعائي صهيوني ضد الأفلام العربية. وتحكي ماجدة في مذكراتها،  ماحدث عندما باعت “المراهقات” لفرانكفورت وشحنت النسخ بعد توقيع العقد على عرضه في الصالات السينمائية هناك، إلا أن جاء جوابهم بالرفض لأنه يحمل اسم “الجمهورية العربية المتحدة” وأنهم لن يعرضوه إلا إذا حذفت اسم الدولة “بلدي” وبالطبع كان جوابي الرفض، وإذا كان صاحب بعض القاعات السينمائية هناك صمم على عرض الفيلم لكانوا أقفلوا صالاته كلها، وفي أوروبا كان الصهاينة يحاربون الفيلم العربي في السيتينات تحت شعار “ادفع دولارا تقتل عربيا”.

وترى ماجدة أنها ضحت بعمرها من أجل الارتقاء بصناعة السينما، وتضيف (لم أر غير السينما فكانت همي الأول والأخير لكونها سجلت مراحل عمري “المراهقة، والناضجة، وربة الأسرة”، ومازلت أحمل داخل ذكرياتي الكثير عن أفلامي، فها هي تفاصيل أحد أفلامي الأوائل تظهر أمام عيني وكأنني كنت أصور مشاهده بالأمس، فكان فيلم “فجر” إنتاج عباس فارس وإخراج عاطف سالم، من أكثر الأفلام إثارة في حياتي، فقد كنت أفارق الحياة غرقا وأنا أقوم بتصوير أحد المشاهد في البحر بكفر الزيات، فقد كان دوري أنني ابنة أحد عمال التحويلة المسؤولين عن تحديد وتنظيم حركة سير القطارات، وتنشب بيني وبين بطل الفيلم جمال فارس قصة حب.

وفي أحد المشاهد التي كنا نصورها في مركب صغير على شاطئ البحر فقدت توازني ووقعت في مياه البحر التي كانت المركب قد تعمقت داخله دون أن نشعر، ووجدت نفسي أغرق وأغوص في قاع البحيرة ولأنني لا أجيد السباحة نزل ورائي غطاسو الطوارئ الذين يوجدون أثناء تصوير أي مشاهد في البحر، واستطاعوا الإمساك بي وكنت فقدت الوعي، وعندما رد إليّ وعيي وجدت نفسي داخل المستشفى في حالة يرثى لها فكانت المياه غير نظيفة وظللت بالمستشفى عدة أيام.

وتؤكد ماجدة أنها كانت ومازالت تحترم النقد الفني البناء الذي يسهم في توجيه الفنان وتعرية أماكن الضعف والوهن بجسده الفني حتى يقوم من نفسه وأدائه، “فما أقوى الناقد إذا كان يتمتع بحس فني وما أقبحه إذا كان جاهلا لا يعرف الفرق بين الدراما والأكشن، بين المواجهة والإسقاط. وما أجمل النقد إذا كان بعيدا عن الميول والاتجاهات وما أشرفه وأسماه إذا كان بعيدا من المشاكل الشخصية.

هذا النقد الذي كنت دائما أحبه وأحترمه وأحترم الأقلام التي تقطر بحبرها وتسطر صفحات من رفعة الفن والارتقاء به، ولكن، مع الأسف الشديد، كل ما أذكر لك هي أماني لا تتحقق كثيرا، بل نادرا عندما تجد من يلتزم بها، ولقد تعرضت كثيرا لحملات من التشويه والنقد لمجرد خلافات شخصية بيني وبين من ينقدني أو لمجرد أنه يتطوع محاولا أفول نجمي، الذي كان يتلألأ بين نجوم السينما.

وحول فيلم “حرب اليمن” تقول ماجدة “في مشواري السينمائي مع الأفلام اشتركت في فيلم حرب اليمن الذي لم يحصل على حقه الطبيعي حتى الآن، على رغم من قيمته الفنية العالية، وكان السؤال الأساسي الذي يطرحه الفيلم يدور حول العلاقة بين الحب والحرية؟ وكيف يمكن أن تتحول قصة حب بسيطة إلى ملحمة من ملاحم الكفاح الشعبي من أجل الكرامة الإنسانية؟

لقد كانت السينما العربية تضع خطاها على طريق الثورة السينمائية التي تقودها الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي، وقدمت وقدمنا معها إجابة حية عن هذا السؤال في تجربة مهمة خصبة من تجاربها الرائدة، ولو أن إنسانا طرح هذا السؤال آنذاك على بعض الذين كانوا يتصدرون الإنتاج السينمائي في مصر لما استطاع أن ينجو من السخرية والتهكم، ولكن السينما العربية التي كانت تجدد نفسها وفكرها بالثورة أصبحت تملك القدرة على اقتحام قضايا الإنسان العربي المعاصر وعلى الالتحام التحاما مباشرا مع أمانيه القومية والوطنية.

إن فيلم حرب اليمن الذي أنتجته الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي “فيلمنتاج” إنما كان يضرب المثل على أن السينما في بلادنا لم تعد تعترف بالعزلة ولا بالمغامرات الفردية التافهة ولا بقصص الحب الرخيص.

يذكر أن الفنانة ماجدة (عفاف علي كامل الصباحي) ولدت في العام 1931 وبدأت حياتها الفنية وعمرها 15 سنة من وراء أهلها وغيرت اسمها إلى ماجدة حتى لا تكتشف، كانت بدايتها الحقيقية عام 1949 في فيلم “الناصح” إخراج سيف الدين شوكت مع إسماعيل يس. دخلت مجال الإنتاج وكونت شركة “أفلام ماجدة لإنتاج الأفلام”، و من أفلامها التي أنتجتها “جميلة”، “هجرة الرسول”، وقد مثلت مصر في معظم المهرجانات العالمية وأسابيع الأفلام الدولية واختيرت كعضو لجنة السينما بالمجالس القومية المتخصصة. حصلت على العديد من الجوائز من مهرجانات دمشق الدولي وبرلين وفينيسيا الدولي. وحصلت على جائزة وزارة الثقافة والإرشاد.

تزوجت ماجدة عام 1963 من الفنان ايهاب نافع الذي أنجبت منه ابنتها غادة، وبعد طلاقها لم تتزوج مرة ثانية. قامت بدور بارز في جمعية السينمائيات، وتعتبر من أبرز الممثلات في السينما العربية. يتسم أداؤها بالتقمص للشخصية ولا يمكن نسيان أدوارها في أفلام “أين عمرى” و”المراهقات” و”جميلة بوحريد” و”بنات اليوم”.

https://www.youtube.com/watch?v=r47Ienp4HI4
اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا