حين تخرس أبواق المنبهات الصوتية…

بقلم/ عفة محمد
المشهد الأول:
يستيقظ من نومه لأول مرة بتلقائية، دون أن تجبره كالعادة ضوضاء أبواق المنبهات الصوتية ” كلاكصونات ” على مغادرة فراشه للذهاب الى عمله . و هي حالة تعد غريبة بالمقارنة مع الحالات التي تعاوده عند استيقاظه مجبرا من النوم.
يفرغ كأس قهوة في جوفه، و يلقي بجسمه خلف مقود سيارته، و قد تلبد وجهه بسحب التجهم ،لاستقبال يوم يقبل كالأسطوانة المعادة لاجترار معاناة التنقل اليومي، الموشح بسواد ما تنفثه مؤخرة السيارات من أدخنة، و من ازدحام يدفع بالسيارات الى عنق زجاجته ، وما تصدره أبواق منبهاتها الصوتية من ضوضاء تلوث السمع و تصم الآذان.
المشهد الثاني:
يتحرك بسيارته خلف صفوف متراصة من السيارات ، تتقدم الى الأمام أو تميل الى اليمين أو اليسار في سيولة منتظمة. و تتوقف بأحكام عند اشارة الضوء الأحمر. لم يحن بعد تعاقب اشارة الضوء الأخضر، حتى أخذ – كعادته – يضغط على الجهاز المتحكم في المنبه الصوتي لسيارته، خارقا بصوته النشاز هدنة السكون. التفت صوبه كل السائقين المتواجدين وقتئذ بالقرب منه ، محدجينه بنظرات استغراب و ازدراء ؟؟
المشهد الثالث:
مواكب السيارات تسير متوخية الحيطة و الحذر، في انسجام رائع بين سائقيها، لا تراشق بعبارات السب و الشتم. لا فرق بين سائق و آخر الا بما يتحلى به من أخلاقيات و آداب السياقة . و كأنما لا يصدق أذنيه و عينيه ، وهو الذي اعتاد على السرعة و التجاوز و التغلغل بين صفوف السيارات؟ حتى لا يضيع منه مكانه المختار لركن سيارته بالقرب من مقرعمله . و الا كان مصيره الطواف بسيارته عدة أشواط بحثا عن مكان شاغر للركن.
شرع- كعادته – يضغط على الجهاز المتحكم في المنبه الصوتي لسيارته، مرهبا بصوته النشاز سكون الصباح. التفت صوبه كل السائقين المتواجدين وقتئذ بالقرب منه ، محدجينه بنظرات استغراب و ازدراء ؟؟ .
المشهد الرابع:
توقف الموكب الذي ضمنه سيارته، عند ممر خاص بالراجلين، احتراما للأسبقية الواجبة لهم. لم يرقه ذلك، لأن فيه مضيعة للوقت. و ما ضر هؤلاء الراجلين لو انتظروا قليلا حتى تمر سيارته؟ .
فطفق يضرب بقبضة يده على الجهاز المتحكم في المنبه الصوتي لسيارته، خارقا بصوته النشاز هدنة السكون. التفت صوبه كل الراجلين المتواجدين وقتئذ فوق الخطوط المحددة لممرهم ، محدجينه بنظرات استغراب و ازدراء ؟؟ .
المشهد الخامس:
وصل بسيارته بالقرب من مقر عمله. تنفس الصعداء حين لاحظ أن مكان ركن سياراته لا يزال شاغرا، غير أن هناك سيارة تتقدمه بداخلها سيدة تحاول الرجوع بها الى الخلف لركنها أفسدت عنه هذا الارتياح. و ليعبر عن سخطه أخذ يستعمل لمرات متكررة المنبه الصوتي لسيارته للتشويش عن هذه السيدة ، مرددا في ذات الوقت العبارة المألوفة عند أمثاله :” فضحتو الوقت ” .
التف حول سيارته بوجوه غاضبة و متوثبة، جمع من الرجال عاينوا الواقعة ، و”غسلوه شر غسلة” بوابل من عبارات الاستنكار و الاستياء.
المشهد السادس:
يستيقظ من نومه مذعورا و مرتجفا على وقع ضجيج أبواق السيارات المترامي من نافذة غرفته. يدرك حينها أن المشاهد الخمس كانت مجرد أضغاث أحلام .
تطلع من زجاج النافذة الى الشارع الصاخب الذي يموج بحركة لا تنقطع ، و رمى بنظره الى بعيد و تساءل في ضراعة: ” ألم يحن بعد الوقت الذي نتخلص منه من هذه العادة السيئة ؟ عادة ترك العنان لأبواق المنبهات الصوتية للسيارات و الشاحنات لتصدر زعيقها النشاز المضر بالآذان و الملوث للأسماع ، في تحد صارخ لأخلاقيات السياقة و قوانينها ؟ . ألا يحق لنا أن نحلم بمجرد يوم تخرس فيه أبواق المنبهات الصوتية ؟؟؟ .
مثالهأمثالهأااا