انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أسماء لا تُنسى

المهدي المنجرة… صوت العقل المقاوم

“لقد حذّرت مرارًا من أن الاستعمار الجديد لا يحتاج إلى جيوش، بل إلى نخب فاسدة، تُنفذ أوامره دون أن تُجبر على ذلك.

الفساد اليوم أكبر خطر على السيادة من الاحتلال.

لا معنى للحديث عن تنمية في ظل غياب المحاسبة.

لقد تحول بعض الحكام إلى موظفين عند شركات وسفارات، وباعوا كرامة شعوبهم مقابل الوهم”…

بهذه العبارات القوية، عبّر المفكر المهدي المنجرة عن أحد أبرز همومه: الاستعمار الجديد الذي يتسلل في ثوب الحداثة، ويستعين بنخب محلية لتنفيذ أجنداته.

كان المنجرة أحد أعلام الفكر النقدي في المغرب والعالم العربي، جمع بين التحليل العميق والرؤية الاستشرافية، وكان من أوائل من نبهوا إلى مخاطر الاستعمار الجديد، لا في شكله العسكري أو الاقتصادي فحسب، بل في أبعاده الثقافية والمعرفية كذلك.

لم يكن مجرد أكاديمي أو موظف دولي، بل صوتًا حرًّا ومقاومًا، ارتفع في وجه نظام عالمي غير عادل، وواجه الأنظمة العربية المتواطئة معه بجرأة نادرة. ظل صوته عاليًا في زمن الصمت، متمسكًا بالكرامة والعدالة والمعرفة، حتى آخر يوم في حياته.

وُلد المهدي المنجرة سنة 1933 في الرباط، في كنف أسرة وطنية معروفة بمواقفها المناهضة للاستعمار. تميّز منذ صغره بحسٍّ نقدي متوقد، وواصل دراسته العليا في فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، حيث تخصص في علم الاجتماع، واهتم مبكرًا بقضايا الاستقلال السياسي والثقافي.

ما ميّزه لم يكن فقط علمه الغزير ولا مكانته الأكاديمية، بل انخراطه العميق في هموم الشعوب وقضايا التحرر. لم يكن رجل برج عاجي، بل مفكرًا من الميدان، آمن بأن المعرفة ليست ترفًا، بل أداة للمقاومة.

من أبرز المفاهيم التي أسس لها كان “الاستعمار الثقافي”. فقد رأى أن القوى الغربية لم تكتفِ بنهب الثروات، بل سعت – وما تزال – إلى طمس هوية الشعوب، وإضعاف لغاتها وقيمها، لتحويلها إلى مجتمعات تابعة ومستهلكة بدل أن تكون منتجة ومستقلة.

دعا المنجرة إلى التحرر من التبعية الفكرية، وناصر اللغة العربية والعقل العربي، رافضًا الانبهار بالنماذج الغربية الجاهزة، ومؤمنًا بأن النهضة لا تكون إلا من داخل الذات.

في كتبه مثل “الإهانة في عهد الميغا إمبريالية” و**”الحرب الحضارية الأولى”**، بيّن كيف تحوّلت العولمة إلى أداة للهيمنة بدل أن تكون وسيلة للتعاون. كان يرى أن النظام العالمي بقيادة الغرب يمارس إذلالًا ممنهجًا للعالم العربي والإسلامي، عبر الإعلام والتعليم والسياسات الاقتصادية، وليس فقط من خلال القوة العسكرية.

لم يكن المهدي المنجرة يثق في “المثقف الرسمي”، الذي يقايض الكرامة بالمنصب. كان يعتبر أن المثقف الحقيقي هو من يزعج السلطة، لا من يتواطأ معها. ولهذا اصطدم بالسلطات أكثر من مرة، ومُنع من إلقاء محاضرات، لكنه لم يتراجع. بل رأى في ذلك وسام شرف يؤكد صدق مواقفه.

ورغم التهميش والإقصاء، بقي تأثير المنجرة قويًا، خاصة في أوساط الشباب والطلبة والمثقفين. ألهمت أفكاره حركات مثل 20 فبراير، وكان من أوائل من تنبأوا باندلاع احتجاجات الربيع العربي، نتيجة للفساد، وغياب العدالة، واحتقار الشعوب.

توفي يوم 13 يونيو 2014، دون أن يُكرَّم رسميًا بما يليق بمقامه وإسهاماته. لكنه بقي حيًّا في ذاكرة كل من يرفض التبعية والذل، ويؤمن بأن النهضة لا تقوم إلا على الاستقلال الثقافي والكرامة الإنسانية.

من أبرز ما يُستشهد به عن الدكتور المهدي المنجرة، قوله:

“إن الصينيين بنوا سور الصين العظيم، ومع ذلك لم يستطيعوا أن يمنعوا الأعداء من دخول البلاد، لأنهم دخلوا من الداخل بعد أن اشتروا بعض الحراس. فالمشكلة ليست في السور، بل في الإنسان.”

عبارة تختزل فلسفته العميقة: التحصين الحقيقي يبدأ من الإنسان لا من الجدران. من بناء الوعي، وتحصين القيم، وتعزيز الكرامة والعدالة. لا مستقبل لأمة بلا وعي، ولا كرامة بلا مقاومة.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا