إصلاح المساطر القضائية وتحديات حماية الحقوق..

بوعياش: احترام حقوق الإنسان يقاس بمدى فعالية الإجراءات القضائية لإنصاف الضحايا
“إصلاح المساطر القضائية بالمغرب: تحديات الحق في الدفاع وحماية الحقوق”، عنوان الندوة الدولية التي نظمت بمدينة فاس يومي 14 و15 فبراير الجاري، والتي عرفت حضور عدد من الشخصيات البارزة في المجال القانوني والحقوقي، من بينهم رؤساء هيئات المحامين، وممثلون عن الاتحاد الدولي للمحامين، وجمعية هيئات المحامين، إضافة إلى نخبة من القضاة والخبراء في القانون.
في كلمتها بالمناسبة، ذكرت السيدة آمنة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بأن إصلاح المساطر القضائية في المغرب يشكل تحديًا جوهريًا لضمان الحق في الدفاع وحماية الحقوق، مشددة على أن فعلية هذه الحقوق تتطلب ترجمتها إلى سياسات وإجراءات ملموسة تمكن جميع الأفراد، بمن فيهم الأشخاص في وضعية نزاع مع القانون، من الاستفادة من العدالة.
وأوضحت بوعياش في كلمتها، أن اللقاء يمثل فرصة لتبادل الأفكار حول الإشكالات المرتبطة بتطبيق القانون وضمانات المحاكمة العادلة، والتي لا تتوقف فقط عند النصوص القانونية والإجرائية، بل يجب أن تنعكس على أرض الواقع في قاعات المحاكم، ومكاتب الاستنطاق والبحث، ومرافعات المحامين، وكافة الإجراءات ذات الصلة بحقوق الأفراد وحرياتهم.
وفي هذا الإطار، استعرضت رئيسة المجلس مجموعة من القضايا التي يحرص المجلس على إثارتها والتفاعل معها، ومن أبرزها الحق في الدفاع والمساواة أمام القانون، وضمان استفادة جميع المتقاضين من المشورة القانونية، واحترام مبدأ التواجهية، والبت في القضايا داخل آجال معقولة، وتعزيز ولوج الفئات الهشة إلى العدالة، فضلاً عن ضرورة التفاعل مع القضايا بطريقة تتماشى مع روح القانون والمعايير الدولية.
كما توقفت عند عدد من الإشكاليات التي تعترض إصلاح المنظومة القضائية، من بينها تدبير الزمن القضائي، حيث يؤدي تأخر الإجراءات، لا سيما بسبب مشاكل التبليغ، إلى إضعاف فعالية المحاكمة العادلة.
وأشارت أيضًا إلى إشكالية اللايقين القانوني الناجم عن الفراغات التشريعية وعدم وضوح بعض النصوص، مما يوسع هامش التأويل ويؤدي إلى تفاوت في الاجتهادات القضائية.
وشددت بوعياش على أهمية ضمان الوصول الفعلي إلى الدفاع، سواء بالنسبة للأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية في القضايا الجنائية أو للضحايا، مؤكدة أن الحصول على المساعدة القانونية والحق في الدفاع في جميع مراحل الإجراءات القضائية يعد عنصرًا أساسيًا لتحقيق العدالة.
كما نبهت إلى إشكاليات مرتبطة بإعمال المبادئ الدولية لحقوق الإنسان أمام المحاكم الوطنية، حيث رغم مصادقة المغرب على الاتفاقيات الأساسية، فإن اللجوء إليها يظل محدودًا، مما يعيق تطوير الاجتهاد القضائي وتعزيز احترام الحقوق المكفولة دوليًا.
وفي سياق متصل، أشادت بوعياش بالممارسات الفضلى التي تعكس التزامًا بمبادئ حقوق الإنسان، مؤكدة أن المجلس يواكب النقاشات المجتمعية المتعلقة بالإصلاحات التشريعية، ويعمل على تقديم آرائه الاستشارية بشأن عدد من القوانين، من بينها مدونة المسطرة المدنية والجنائية.
وركزت رئيسة المجلس على خمس مبادئ رئيسية لضمان تطبيق الإجراءات القانونية بما يحقق العدالة، وهي الشرعية التي تضمن الالتزام بالقوانين الوطنية والدولية، والتناسب في العقوبات والتدابير القانونية، والضرورة التي تفرض عدم اللجوء إلى التقييد إلا عند الحاجة الفعلية، والرقابة القضائية لضمان إمكانية الطعن في الإجراءات غير القانونية، ثم ضمان الولوج العادل للجميع إلى العدالة.
وأكدت أن فعالية الحقوق والحريات ترتبط بمدى وضع الإجراءات الكفيلة بضمان مبادئ العدالة، ومدى التزام المؤسسات القانونية بحمايتها، مشيرة إلى أن المجلس يعمل على تعزيز الثقة في النظام القانوني ومنع الانتهاكات التي قد تضر بحقوق الأفراد وحرياتهم.
كما سلطت الضوء على التحديات التي تواجه الإصلاحات القضائية، وفي مقدمتها تحدي الفعلية، الذي يتطلب الانتقال من الإقرار النظري للحقوق إلى تمكينها على أرض الواقع، من خلال نصوص قانونية واضحة، وآليات تنفيذية ناجعة، وسياسات عمومية تضمن الولوج المتكافئ إلى العدالة.
أما التحدي الثاني، وفق المتحدثة، فيتمثل في استدامة الإصلاحات، عبر تحيينها وفق التطورات المعرفية والتكنولوجية، وضمان تمويل مستدام لتنفيذها بشكل فعال.
وختمت بوعياش كلمتها بالتأكيد على أن احترام حقوق الإنسان يقاس بمدى فعالية الإجراءات القضائية لإنصاف الضحايا، مشددة على أن العدالة لا تقتصر فقط على منع الانتهاكات ومعاقبتها، بل تسهم في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وتحقيق واقع يومي ملموس يعكس مبادئها الأساسية.