“بركة العروس” فيلم الصمت الناطق..

بسمة نسائية/ أصواتهن/
تطوان/ عزيزة حلاق
في اليوم الثاني من المسابقة الرسمية للدورة 28 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، جرى عرض فيلم “بركة العروس” للمخرج اللبناني باسم بريش، الذي أبهرنا بعمق فيلمه وبصمت حواره، وبقدرته على تقديم قصة إنسانية نسائية، برؤية مختلفة لما يمكن أن نسميه سينما المرأة.
فقد تمكن كما قالت عنه الناقدة المصرية أمل الجمال، أن يجعل المتلقي يعتقد أن القصة من اخراج امرأة، لتمكنه من تشريح دقيق لأحاسيس وعواطف المرأة في كل حالاتها النفسية، ولقدرته على نسج مشاهد تتقاطع فيها تحولات الطبيعة مع الحالة النفسية لشخصية البطلة، من ربيع زاهر جميل إلى خريف كئيب وبارد، بين حالة الحب والتوهج وبين الحرمان العاطفي والانكسار، بين الاستقلالية الذاتية والتبعية المجتمعية.
يرصد الفيلم قصة سلمى، أدتها باقتدار ملفت، الممثلة كارول عبود، التي تظهر وكأنها تستمتع باستقلاليتها وبحياتها رغم وحدتها، تعيش علاقة حب ممنوعة اجتماعيا، تسرق لحظات من المتعة والانتشاء، وتعود مسكونة بصراع داخلي بين الرغبة واكراهات المجتمع. تم تظهر ابنتها التي تعود بعد غياب طويل، منكسرة، وقد قررت الطلاق وكرهت الرجال.
تبدو العلاقة متوترة من أول مشهد بينهما، يلتقيان كغريبتين، يتعايشن مرغمات، في صمت. نفهم من خلال برودة علاقتهما، وتعابير وجه الأم القاسية تجاه ابنتها، أن البنت كانت ربما نتيجة حمل غير مرغوب فيه، وظلت عقدة حياتها لم تبرأ منها.
مكالمة هاتفية، نستخلص من خلالها، أن البنت حامل وترغب في إسقاط جنينها، تم تظهر وهي في حالة وجع وألم، في لقطة استعطاف صامت، والأم بجانبها، تنتصر داخلها غريزة الأمومة لأول مرة، فتمد يدها وتضعها على بطن ابنتها المكشوف، تتصاعد أنفاس البنت، فتتشابك أياديهما على الجزء السفلي من البطن، فيبعثان في تواطئ على الموضع دفئا يتعاونان على فركه للتخلص من هذا الألم الفظيع.
فهل هي بداية دفء وانتعاش لعلاقتهما؟ سؤال تركه المخرج باسم بريش مفتوحا، في المشهد الأخير وهما يرتشفان القهوة، على طاولة واحدة، لكن كل واحدة منهما تنظر في اتجاه…
باسم بريش، قال في تصريحه قبل العرض، ستشاهدون فيلما صامتا، ولتوضيح ذلك قال بعد العرض، إن تجسيد شخصية ترصد الوحدة وما تعانيه من آلام داخلية يستلزم على المخرج أن لا تقتصر الحالة على الممثل فقط بل ما يحيط به من ديكور وملابس وإضاءة ووضع الكاميرا نفسها، فكل هذه العناصر تصل إلى المشاهد بإحساس أكبر حتى من دون نطق أي جملة”، وهو ما لمسناه بالفعل. إذ كانت الصور والمشاهد ناطقة أكثر من الحوار.
الفيلم يحمل عنوان “بركة العروس”، وقد جرى تصوير بعض المشاهد في هذا الفضاء الطبيعي الرائع، الموجود بالفعل، والمرتبط تسميته حسب ما كشف عنه المخرج، بقصة في المخيال الشعبي المحلي، بانتحار عروس ليلة زفافها في هذه البركة.
بقي أن نشير أن فيلم “بركة العروس”، الذي يخوض سباق منافسة مهرجان تطوان لهذه الدورة، فاز بـ3 جوائز وذلك خلال منافسته في مسابقة آفاق السينما العربية ضمن فعاليات الدورة الـ 44 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وتمثلت الجوائز الثلاث في جائزة صلاح أبو سيف (لجنة التحكيم الخاصة) وأفضل أداء تمثيلي لكارول عبود، بالإضافة إلى تنويه خاص بمسابقة أفضل فيلم عربي.
صورة من مهرجان القاهرة
السيرة الذاتية للمخرج باسم بريش
باسم بريش كاتب سيناريو ومخرج لبناني حائز على جائزة إيمي. منذ عام 2007، أخرج بريش ثلاثة أفلام قصيرة: “علعتبة” (2007) والذي عُرض لأول مرة في أسبوع النقّاد في مهرجان كان، “زيو” (2013) و”سايبة” (2014). كتب بريش عددًا متنوعًا من المسلسلات والأفلام: “شنكبوت” (2009)، “فساتين” (2012)، “أول الغيث” (2015)، “بدون قيد” (2018)، “أليفيا” (2019)، (vertu (2020 و”باب الجحيم”(2021). بريش هو مؤسّس ومدير سيناريو بيروت، و”بركة العروس” هو أول فيلم طويل له.