انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

“دروب كازا بلانكا” رواية جامعة بين المحكي والحلمي والشعري…

قراءة في رواية عائشة العلوي لمراني

بقلم: ذ. زهرة رشاد

في اللقاء الأخير لمؤسسة الربوة للثقافة والفكر، وقبل أن تقدم قراءتها حول رواية ضيفة الجلسة الثقافية الماتعة، المبدعة عائشة العلوي لمراني” دروب كازا بلانكا”، استهلت الأستاذة زهرة رشاد، مداخلتها بكلمة جميلة في حق مهندسة هذا المجمع الأدبي الأستاذة خديجة شاكر، سيدة صالون الربوة، قالت فيها:

تحيات حرّى، ومحبات شائقة لكل نساء الربوة الشامخات، وكل الامتنان لمؤسسة الربوة للثقافة والفكر، بقيادة مهندستها، الحالمة، والحاملة لهذا المشروع الثقافي النبيل، على استعادتها لوهج ربوتنا الشماء بتنظيم اللقاء الثاني بعد كورونا، للاحتفاء بالكتابة النسائية الإبداعية المغربية، والتجربة الروائية الأولى للأديبة الصديقة الغالية عائشة العلوي لمراني “دروب كازا بلانكا”.

“دروب كازا بلانكا”رواية لقارئة عاشقة…

الرواية شهادة صامدة في وجه الزمن وجبروت الموت، لكونها سجلا للحياة بمعناها الوجودي، ولهذا عملت عائشة العلوي لمراني على الاستمرار في نحت طريقها وتعبيدها من خلال دروب عديدة سلكتها في حياتها للوصول إلى مرتقى الجبل، إلى حلمها العتيد الذي لم يفارق، ولم يغادر مخيلتها الخصيبة على مدى سنوات عديدة، حيث طاب لها البوح بما تكن وبما تبطن، ويطيب لها دوما البوح، كما أعهدها، ليلا، والليل ساجٍ بهدوئه وسكينته على الكون، ملقيا بأسدافه الدامسة الثقال، لكن ظلمته وسواده ينهمران على روحها المرهفة شلالا من خيال، وحروفا وكتابات تترجم ما يعتمل في صدرها، وما تنوء به ذاكرتها من أحداث ومواقف، وما يتأرجح بين ثنايا يقظاتها  الليلية، وما أكثرها…

لأوقف هذا السيل من التداعيات المنسابة التي خلقها حديثي عن الروائية عائشة، وأعود إلى الحديث عن روايتها “دروب كازا بلانكا” الصادرة في يونيو 2022 عن دار سليكي أخوين بطنجة.

أن تصدر رواية أو كتابا، يعني أن تطلق هامة. لأن الكتب هي عصافير ناشفة، منزوفة الدم، عطشى، تفتش ولهى بين الناس عن مخلوق من لحم ودم لتحط عليه، وتقتات من حرارته ومن وجوده. ذلكم هو القارئ والقارئة. وطالما أن الرواية لم تقرأ، فهي غير موجودة، أو بالأحرى نصف موجودة، إنها شيء مضمر مثل قطعة موسيقية لم تعزف، كما قال الأديب والفيلسوف والروائي الفرنسي ميشال تورنييه.

إننا نحن، نساء الربوة، هن القارئات من لحم ودم، حطت علينا هامة، بل طائر الفينق عائشة، لتقتات من حرارتنا الإنسانية، ومن وجودنا في هذه الربوة الباسقة، لنعزف جميعا قطعة موسيقية فنية اسمها ” دروب كازا بلانكا”.

إننا نساء شغوفات بمبدإ القراءة التي تنطبق عليها تسمية القراءة الفنية العاشقة. وقراءتي لرواية “دروب كازا بلانكا” كانت قراءة يسر وبطء، ولها سحر ونكهة خاصتان.

كانت القراءة الأولى اكتشافا وتواصلا شموليا بكل مكونات الرواية. أما القراءة الثانية المستعادة، فكانت نفاذا إلى الأحداث والأفكار والمشاهد والأماكن. بينما القراءة الثالثة وما تلاها، فقد حررتني من النص نفسه، وجعلتني قادرة على اتخاذ مسافة منه، لأتمكن من التحليل والكشف عن افتراضات الملفوظ والمسكوت عنه…

وبعد، أفلا يحق لكل قارئ وقارئة أن تؤول النص كما يحلو لها، ومن ثمة فلا ترى في النص إلا ما تريد رؤيته؟ مع الإشارة إلى ما قاله الدكتور محمد برادة ذات لقاء معه في الربوة:” لا أصدق من يقول أن القارئ فهم رواية ما مئة في المئة.” ومع ذلك فلنحاول.

 

“دروب كازا بلانكا” نص تحول إلى لقاح روحي في زمن كورونا..

أقول وبصدق قلبي، لم تغادر رواية “دروب كازا بلانكا” سريري طيلة شهر كامل، حين كنت أتلظى بعذابات كوفيد 19، حقا لقد أمتعتني وخففت عني آلام المرض وهواجسه، ولم أكن قادرة على صدّ نفسي عن القيام بفعل القراءة.

لقد زادتني رواية “دروب كازا بلانكا” إمتاعا ومؤانسة، لأن العلاقة بيني كقارئة وبين الروائية عائشة العلوي لمراني علاقة روحية، هي علاقة الشبيه حين ينجذب إلى شبيهه. إن رواية “دروب كازا بلانكا” نص تحول إلى لقاح روحي، يذكرني هنا بالقارئ الجيد، القارئ الكريم مع النص والسخي معه، وما يسميه الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر بالسخاء هو إرادة الثقة في المؤلف، والقدرة على ذلك.

وأنا كلي ثقة في الكاتبة، لأنها منحتني محوَ ذاتي، والانخراط في الاستماع إلى دبيب مشاعرها وتجاربها.

إن رواية “دروب كازا بلانكا” فن المدينة القادرة على اقتناص التحولات، تحولات الطبقة الوسطى خاصة في مدينة الدار البيضاء التي ازدادت وتزداد تعقدا وازدحاما. وقد عملت الكاتبة من خلال كتابتها السردية، على فضح هذا الواقع المتخلف والمهترئ، والعمل على تعرية مختلف مشاكله التي يتخبط فيها.

لقد نشأ هاجس الكتابة عند الروائية عائشة العلوي لمراني من قلقها الذاتي الذي تتعدد مصادره وتتنوع اتجاهاته، فأوغلت في الأسئلة الصعبة من خلال إدراكها الناشئ منذ طفولتها، إلى وعي معرفي متراكم عبر دراستها، حتى الجامعية منها، وعبر قراءاتها المختلفة ومطالعاتها الواسعة. إن روايتها قرينة الاحتجاج على القمع، والتمرد على العنف الذي يُفرض به التراتب الاجتماعي على البشر. إنه عمل روائي ممسوس بقلق التجربة، ومن خلاله غدا وسيلة للبوح والاحتجاج والبحث عن الخلاص. فنسجت الكاتبة  عالما هو فضاء مفتوح أشرعت فيه كل المغاليق، لتبني عوالمَ بديلة يتعالق فيها الحلم والواقع، الحلم بالتغيير وهو مفهوم حاضر بقوة: تغيير الأحياء، تغيير الملابس، تغيير المدن ( كازا بلانكا بدروبها، باريس…). أما الواقع فهو واقع مسيّج محروس بسلطة المجتمع، وسلطة الذكورة أمام المرأة لكونها منتقصة الهوية إنسانيا في زمن إقصائها، والنظر إليها بشكل استعلائي باعتبارها الكائن الأضعف. تقول الساردة على لسان البطلة أحلام:” ولكن ليطمئن قلبي. جملة رددها خالي أكثر من مرة، وهو يحرض أمي على قبول العريس الذي لو لم يكن قد زوّج بناته كلهن، لما جاد به علينا…” (ص 41). ” ولتطمئن قلوب سكان دروب مدينتي، سأصبح في ملكية رجل يعقد عليّ، لا معي، ويتصرف في حياتي.” (ص 41).

من المرتكزات الأساسية في الرواية التي استوقفتني:

عنوان الرواية الذي يبدو رمزا يكشف مدلول العمل الروائي كله، وأن هذا المدلول يمكن استخراجه من دال طبيعي واقعي هو دروب كازا بلانكا بعد تحول هذه الدروب إلى علامة سيميولوجية جمالية. لقد توفقت الكاتبة في اختيار عنوان روايتها، فكما لو أنه يكاد يغني عن قراءة العمل نفسه، طالما أن العنوان يجمل رؤى الساردة السياسية والفلسفية والتاريخية والاجتماعية في تفاصيل عديدة ستكون أكثر إجمالا من العمل الروائي الذي يبلغ 212 صفحة. وهذه التفاصيل المميزة جعلتني أنغمس في قراءة الرواية متجولة في عالم جمالي فريد ينبع من الالتئام العميق بين العنوان والعمل نفسه، حتى لا نكاد نمسك بهذه التفاصيل إلا بالتأمل البالغ العمق في العمل، والقراءة البطيئة المستعادة. لأن العناية بالتفاصيل هي الميزة التي تثبت أهلية الكاتب (ة)، حسب الكاتب والشاعر وليم بلايك.

المرتكز الثاني: الذاكرة

في رواية “دروب كازا بلانكا” تصوير للعمق الإنساني ومعاناة البشر وتصوير مواقفهم وأحوالهم في معيشهم اليومي من خلال ذاكرة الكاتبة، ذاكرة محملة بكل الماضي، ذاكرة بما هي بقاء صور الماضي التي تختلط بمدركات الحاضر. ولكن استدعاء الكاتبة لصور الماضي إنما بامتلاكها الرغبة والقدرة على الحلم، رغم أن الماضي الذي يحنّ إليه الإنسان، يبقى زئبقيا يستعصي عليه إمساكه. ولكن الكاتبة تمكنت من استدعائه بأدق تفاصيله، واصفة دروب كازا بلانكا وصفا دقيقا مسبغة عليها هالة من الجمال والفنية والدقة:” عندما تغادر آخر قوس لحي الأحباس، وتعبر الجسر، تجد نفسك في مدخل المدينة الجديدة، درب البلدية، اختصر اسم الحي في درب، وهو دروب مستقيمة متوسطة الاتساع، لا اعوجاج فيها ولا زوايا معتمة، أرض منبسطة بدون انحدار، إلا الطريق المؤدي إلى سوق الجمعة، وبعده قيسارية التاج…” (ص 08). لقد تقاسمت مع الروائية تجاربها ورؤاها وأماكنها لأني وجدت فيها بعضا مني ومن واقعي المعيش.

المرتكز الثالث: عنصر المكان

يستأثر هذا العنصر بأهمية قصوى في رواية “دروب كازا بلانكا”، وقد عنيت الكاتبة بالمكان عناية خاصة في كتابتها السردية، لأنه يمتلك مقصدية ومرجعية هامة، وليس فقط لأنه مسرح الأحداث، والمكان الذي تتحرك فيه الشخصيات وتتفاعل؛ فالمكان أو الأمكنة المذكورة في الرواية عديدة: دروب كازا بلانكا، الدار البيضاء بأحيائها الراقية، بولو، عين الذياب، كاليفورنيا، ثم باريس: المتاحف والمطاعم، المساجد، الشقق… هذه الأماكن ذات طبيعة حسية مادية تمتلكها وقد تحولت من إطارها الواقعي الطبيعي إلى إطارها التخييلي. أهمية المكان تكمن في كونه ليس فقط عنصرا اساسيا في الرواية، بل لأنه يتشكل في فضاء كبير يحتوي العناصر الروائية برمتها: الزمان، الحدث، المكان، الشخصيات؛ ويمنحها المناخ الذي تتفاعل فيه وتنفعل به، وتعبر عن وجهة نظرها، ويكون المساعد على تطوير بنية الرواية، والحامل لرؤى الكاتبة المختلفة.

الأماكن في رواية “دروب كازا بلانكا” عنصر بنائي بامتياز. وشكل كل مكان ليس هو المكان في الواقع الخارجي، سواء أكان في الدار البيضاء بدروبها أو في باريس بمتاحفها ومطاعمها وشوارعها وبأسماء كل مكان على حدة؛ بل إن المكان في هذا الرواية هو عنصر تخييلي، وهو من العناصر الفنية المركزية، صنعته لغة الكاتبة حينما خلقت  الكلمات المناسبة والصيغ اللسانية للتعبير عن المقصدية السردية، بجمالية أدبية ولغة شاعرية. ولا عجب أن قال الفيلسوف الألماني هايدجر:” اللغة بيت كينونتنا”.

كل الأمكنة المذكورة في الرواية قائمة في خيال المتلقي، كما هي قائمة في خيال الكاتبة التي تعمل على استثارة الإيحاء بواسطة اللغة:”  وعلى بعد خطوات، وفي شارع سان جرمان وقف، أشار بيده إلى مقهى كتب على واجهته بخط عريض ولون برتقالي Brasserie Lip، أثار الاسم أشجانا لا تريم، وقفنا دقيقة صمت.” (ص 65). وصف المكان هنا ذو دلالة بالغة بإيحاء لغوي دقيق يحيلنا على المكان الذي حدث فيه اختطاف المناضل المهدي بنبركة. وهنا يغدو المكان واسطة ووسيلة في تشكيل الدلالة السردية، ودلالة الحدث. ويصبح المكان مرتبطا بكينونة إنسانية شفافة، مرتبطا بذات الكاتبة:” حمام الشيكي مرفق ضروري ليكون حي الأحباس مدينة صغيرة بحجم الكف، هكذا كنت أتصورها وأنا أعبر أزقتها متجهة نحو المكتبات المصطفة على يمين ويسار شارع المحج الملكي، متحف يختصر الحضارة الإسلامية بنكهة شامية وبقايا عشق الفردوس المفقود…” (ص 07).

دروب كازابلانكا” مخزونا للتجارب الإنسانية المشرقة والمريرة والمتراكمة..

وتبقى كازا بلانكا والدار البيضاء بدروبها العتيقة وأحيائها الجديدة الراقية في “دروب كازابلانكا” مخزونا للتجارب الإنسانية المشرقة والمريرة والمتراكمة تحت الأبنية الشاهقة، وفوق الأرصفة العتيقة، وفي جنبات الظلال الباهتة والزوايا المعتمة. كل هذه القواسم المشتركة تبقي للدار البيضاء أسرارها الخاصة وثقافتها وملامح جمالها أو بشاعتها، لأنها تختصر أشياء عن كل الأزمنة: زمن الاستعمار، زمن الاستقلال، زمن الرصاص ببشاعته وجبروته… فصارت مدينة الدار البيضاء رمزا وزمنا وذاكرة جمعية اغتنت بها رواية “دروب كازا بلانكا” بتعدد فضاءاتها، باعتبارها أماكن التقاء الشخصيات وتفاعلها، وتنامي الأحداث وتطورها: كلقاء شخصية أحلام برابحة،” عبرت الجسر، وعلى رصيف الحديقة العجفاء، اعترضت طريقي سيدةٌ جلبابها كالح ومنديل الرأس اختلطت ألوانه؛ افترت أساريرها عن ابتسامة: أنا رابحة، هل نسيتني؟…”

إن المكان في رواية “دروب كازا بلانكا” هو رمز من رموز الجمال الذي يجلل كتابة الروائية عائشة من مبتدئها إلى منتهاها. وأستحضر جاستون باشلار وكتابه القيم ” جمالية المكان: لأقول  بأن رمزية المكان ذات دلالة عميقة في هذه الرواية.

ومن جملة ما استوقفني في هذه الرواية العميقة التي شدتني كثيرا لما لها من تأثير بالغ على القارئ(ة):

  • العلاقات الإنسانية المعقدة، سواء على صعيد الذات أم على صعيد فهم المجتمع، والقدرة على استيعاب التحولات المتسارعة للوقائع التاريخية التي قدمتها الكاتبة عن طريق الكتابة الروائية، طالما أننا لا نستطيع أن نغير هذه الوقائع إلا من خلال الإيهام والتخييل، وكذا القدرة على الفضح بواسطة اللغة.
  • الاهتمام بالقضية النسائية، والدفاع عن حقوق المرأة من خلال العمل النضالي داخل الجمعيات النسائية انتصارا للمرأة، ودفاعا عن حقها في التعليم وصون كرامتها: (مثال رابحة).
  • الاحتفاء بالجسد الأنثوي:” أدخل الحمام لأزيل آثارها عن جسدي، وتنوح الروح بالغثيان”، ” ليرقص جسدي رقصة التانكو وهو يعانق نظرة وشبه ابتسامة”، ” قلبي يعيش ثورته الصغيرة الخاصة جدا، وجسدي رايات نصر.”.
  • الراوية الكاتبة الشاعرة، تبدو في استنزال الشعر من عليائه، إن على مستوى شعرية النص بلغتها الباذخة المترفة، أو من خلال الاختيارات الشعرية الأنيقة باللغتين العربية والفرنسية. ولذلك فإن اللغة في الرواية عنصر جمالي هام، ومن عناصر تكوينها.” بما أن اللغة رحم وكنف وسكن ومثوى، وبما هي في وجه آخر بدء وأصل” كما قال ابن منظور في “لسان العرب”.
  • حضور الاستعارة والكناية بطريقة مندغمة، مما أكسب نسيج النص جمالية المعنى واللفظ:

” فتحت المجمد، عثرت على دجاجة تتلفع برداء جليدي.” (ص 81). إن الاستعارة والكناية تبدوان ملتحمتين متداخلتين كشأن التقديم البالغ الجمال:” بدأت الحكاية ببيت أبيض صغير على شاطئ المحيط، لعله كان خلوة صوفي يتأمل الكون، ويحلم ببناء سفينة تخلده في ذاكرة المعجزات. ولم يعلم أنه يقيم في رحم مدينة، وأنها حبلى بآلاف الدروب. ويوم الطلق، كان حلم السفينة قد تحقق، فأبحر في عرض المحيط. خرجت الدروب من رحم المدينة، وامتدت متوازية متقاطعة، متشعبة. أمرتنا بالسير، فسرنا لا نعلم من أين وإلى أين، لا ننحني لالتقاط ما يسقط منا: أشياؤنا، أجزاؤنا، وإذا التفتنا تحولنا إلى حجر ترصف به المدينة دروبها، ونسير، ومثل ذلك الصوفي، نحلم بصنع سفينة.”

  • دلالة الأسماء في الرواية: لقد سعت الروائية عائشة العلوي لمراني إلى توظيف أسماء شخصيات الرواية توظيفا مناسبا، منسجما، بحيث حققت للنص مقروئيته، وجعلت من الشخصية محتمَلَة الوجود، وأصبحت أسماء الشخصيات علامة لغوية متميزة. سأكتفي بالإشارة إلى شخصية “هاينة”، ورغم أنها تحيلنا إلى الخرافة الشعبية المغربية، إلا أن اختيار اسم “هاينة” مطابق لشخصية البطلة في رواية “دروب كازا بلانكا”.

هاينة اسم له إيقاع خاص، مطابق لهاينة في الرواية لأنها، أي هاينة، رمز للوجود الأنثوي المتمرد، العصي على الخضوع للأعراف والتقاليد، هاينة التي أصرت على الخروج من الفضاء الخاص/ البيت، إلى الفضاء العام/ الغابة. وهذا  خرق كبير، وإدانة لخروج المرأة، ” الرْجَالْ فَالْحَرْكَة غايْبا، والنْسا فْالَخْلا سَايْبا”. ولذلك كان جزاء هاينة الخرافية، اختطافها من طرف الغول، الغول الذي امتلكها/ الرجل الذي يريدها ضعيفة ليشرعن سلطته وذكوريته. لكن هاينة في “دروب كازا بلانكا” هي امرأة مختلفة عن هاينة الخرافية، إنها امرأة متعلمة، جريئة، غادرت فضاءها الخاص إلى فضاءات عامة، لتثبت ذاتها، ولتمارس عملها ونضالاتها لصون كرامتها وكرامة نساء أخريات.

هناك عناصر عديدة شديدة الجذب والتأثير في القارئ(ة)، ولكن يتعذر الحديث عنها الآن بإسهاب مثل: الوصف، التناص، القضية الفلسطينية…

ختاما، أؤكد على أن عبر رواية “دروب كازا بلانكا”، جعلتنا الكاتبة عائشة العلوي لمراني نرى في الأشياء العادية خصوصية ذاتها المبصرة اللماحة، بعيدا عن الاستنساخ والمحاكاة، تبدو لنا في عمق صورتها الإنسانية، روائية وشاعرة، متأملة ومتفلسفة، مطلة من عالمها الجمالي، جامعة بين المحكي والحلمي والشعري بطريقة سردية حققت مسافة جمالية، ومساحة شاسعة من المتعة.

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا