من رنين الطفولة…البيضاوي “البكسور” السلاوي

كتبها: محمد ايمان*
*مغربي سلاوي مقيم في كاليفورنيا
كان محمد خبوش رحمه الله والمعروف بالبيضاوي أو بالبكسور أحد أشهر من أثتوا فن الحلقة في مدينة سلا، سواء في فضائها بباب الخميس، باب المريسة، القشاشين، سيدي موسى، تابريكت، سوق الصالحين وكذلك في قرية ولاد موسى…
كان البكسور ينشط حلقة “البوكس” رفقة ابنه حسن والذي أصبح فيما بعد بطل المغرب في الملاكمة حيث كان يزاولها تحت لواء الفريق العسكري الجيش الملكي.
كان “البكسور” شخصا أسمر اللون، يتميز بالخفة والرشاقة وسرعة البديهة، اتخذ من حومة الصف مستقرا له ولعائلته في سنواته الأخيرة. كان البيضاوي يتقن فن التواصل الشعبي الفرجوي، اعتمادا على المتحلقين حوله. كما كان بارعا في استقطاب الجمهور، وشد انتباهم إليه، ولفت أنظارهم إلى حركاته وهو يطوف وسط الحلقة، بطريقة فرجوية، تنال إعجاب الحاضرين، وتحظى بتشجيع المتحلقين.
كان البكسور، يزاوج بين الملاكمة الفرجوية والوصلات الفكاهية، وتتخلل هاتين العمليتين، ما يصطلح عليه في قاموس الحلقة بالفاتحة. حيث كان البكسور يجوب الفضاء بخطوات متثاقلة، يرغم المتفرجين أن ينفحوه بدرهم أونصفه أو أقل من ذلك أو أكثر. وعندما يتسلم النقود، يأتي الدعاء حسب كل قيمة طبعا.
كان البكسور ينتذب شخصين من المتحلقين حوله، يتقاربان في السن والبنية الجسمانية، أو أنه يستقطب أحد المتفرجين، من كان يرغب في نزال ابنه حسن. ويضع في يدي كل واحد منهما قفازين، وقبل أن يعطي انطلاق المباراة، يدخلهما في صراع لفظي، وهذه المواجهة اللفظية التي تعتمد على السرعة في الجواب، كان يتميز بها البكسور دون غيره (شْكونْ فيكُم الفَرّوجْ وشْكونْ الدْجاجة/ شْكونْ السّاروتْ وشْكونْ القْفــلْ/ شكون بيبي وشكون بيبية…) حيث يحاول كل طرف تأكيد رجولته وفحولته بالفم، في انتظار التفوق بالقفاز. ومع انطلاق المواجهة، يشرع البكسور في تحفيز الملاكميْن على الضرب، وحينما يتأكد له التفوق الواضح لأحدهما على حساب الآخر، يقول كلمته المشهورة (الدوبـييييـز) لكنه يحسن اختيار اللحظة لوقف النزال (طــاي) تفاديا لإصابة أحد الملاكميْن، أو إلحاق ضرر بأحدهما.
ومن باب الاعتراف، فقد وقع علي الاختيار ذات مرة من قبل البكسور، لأكون طرفا في نزال يجمعني بطفل يتناسب معي جسمانيا، جاء به والده ليتعلم فن الدفاع عن نفسه، فرفضت في البداية، قبل أن استسلم لضغط الحاضرين بالتصفيق والهتاف…
وضعت القفازين في يدي وأنا مطأطئ الرأس من فرط الحياء والخجل، بينما كان خصمي مزهوا بنفسه مدعما من والده. وبعد أن دخلنا في الملاكمة مباشرة دون أن نخضع لحصة المواجهة اللفظية المعتادة، حالفني الحظ في التفوق على خصمي منذ البداية، ما جعل البكسور يتدخل لينهي النزال (طــــــــــاي) ويستبدلني بطفل آخر إرضاء للوالد، وتفاديا لإحباط الولد.