“عمر الغريب” عن الغربة والاغتراب و سيكولوجية الذات..

خاص/ بسمة نسائية
عزيزة حلاق
” النص والوصف يتكاملان في ما بينهما في “عمر الغريب”، ونحن نقرأ هذه الرواية نشعر أن هناك سلاسة الانتقال بين السرد والوصف أو العكس، هي عميلة ذهاب وإياب التي تقوم بها الكاتبة سلمى مختار أمانة الله في هذا العمل الإبداعي الجميل، حيث تجعل القارئ يتموقع في الحاضر ثم يعود إلى الماضي، ومن الماضي يعود إلى الحاضر وهكذا، إلى أن نصل إلى النهاية”، ” إنها بالفعل، كتابة جيدة أتقنت فيها الراوية تقنية الوصف بلغة عميقة وسلسة في الوقت نفسه، وأنت تقرأ وكأنك تتابع مشاهد مصورة بكاميرا وهو ما يجعلنا ندعو إلى تحويل أو نقل “عمر الغريب” إلى الشاشة..
هي دعوة للمخرجين المغاربة للانفتاح على مثل هذه الأعمال التي لن يجد المخرج صعوبة في إخراجها لأنها مكتوبة بدقة وبقلم متمكن..وبوصف دقيق للشخصيات وللملامح و للسمات وحتى للأماكن وكلها عناصر نفتقدها في كتابة السيناريوهات الأعمال الدرامية والسينمائية عندنا”.
فالرواية التي التي لا تصل إلى هذا المستوى من الوصف ليست رواية. وسلمى توفقت في كتابة دقيقة لنص روائي، جمع بين السرد والوصف، فالرواية بدون وصف ليست رواية كما أن الرواية بدون سرد ليست رواية.
فالسرد والوصف يكملان بعضهما في هذا العمل الإبداعي ، والذي يميز الكتابة عند سلمى مختار أمانة الله.
تلك كانت خلاصة أو توصية القراءة التي تقدم بها كل من الأستاذين السعيدين الدكتور سعيد يقطين والأستاذ الناقد سعيد الفلاق للرواية الجديدة “عمر الغريب”، للكاتبة سلمى مختار أمانة الله والتي صدرت عن المركز الثقافي للكتاب، وأسندت عملية إدارة النقاش للأستاذ حسن عبيدو.
اللقاء الذي شكل بحق عرسا ثقافيا حضرته الكثير من الوجوه الفكرية والأدبية والإعلامية والقانونية، واحتضنته المكتبة الوطنية، كان فرصة لتشريح نقدي لهذا العمل وهو الثاني بعد روايتها الأولى “ولي النعمة” ومجموعتها القصصية ” التي جي في “.
“عمر قتلني”
هي الجملة الأخيرة، لما قبل الاستدراك التي أنهت بها سلمى روايتها وهي الجملة التي قال ذ. يقطين أنه اقترحها ضمن عنوانين آخرين، لأنها دليل على أن عمر يعرف نفسه، يتحدث بضمير المتكلم وضمير المخاطب، هي شخصية غنية شخصية مملئة وهذه من شخصيات النص المتميز.
يتحدث النص، عن الغربة والاغتراب و عن سيكولوجية الذات، عن النفس الأمارة بالشر والسوء، هو عبارة عن تحقيق ذاتي واعتراف ذاتي، فعمر الغريب يحاسب نفسه ويقدم نفسه، وأفكاره وأحاسيسه والملاحظ أن كلمة أحاسيس سنجدها في الرواية، بصورة متكررة كما قال د.يقطين..
قضايا كثيرة، أثيرت في هذا العمل، وحول هذا العمل، منها مسألة الكتابة النسائية، خاصة وأن رواية سلمى هي سرد لقصة رجل بسيكولوجيته وذكوريته وهو ما يجعلنا نعتقد أن الرواية كتبها رجل وليس امرأة. وقد صدقت سلمى، يضيف يقطين، وهو يتحدث في هذا السياق عن أن الأدب لا جنس له، حين قالت سلمى: “عمر هو من كتب روايته ولست أنا”، واستحضر هما كتاب كتبوا روايات بلسان نساء، وذكر برواية” مدام بوفاري” للكاتب جوستاف فلوبير والتي تحولت إلى فيلم وأضيفت إلى ريبرتوار الأدب العالمي، وذكر أيضا رواية ” خضراء كالحقول” للروائي هاني الراهب. وقال: لقد كتبت سلمى روايتها بعمق إبداعي ينسيك السؤال من يكتب رجل أم امرأة؟”.
الأستاذ سعيد الفلاق، تناول القراءة من زاوية أخرى، وخصص جزءا من قراءته للرواية، عن المرأة في رواية سلمى أمانة الله، أو لنقل عن المرأة في حياة “عمر الغريب” وقال إنها خصصت حيزا مهما للمرأة، يمكن تلخيصه في خمسة مظاهر:
– المظهر الأول سماه: المتخيل، مرتبط بالأم التي تخلت عن عمر منذ ولادته، هذه الأم لها وظيفة واحدة هي الوظيفة البيولوجية.
– الوظيفة الثانية: هي المرأة الحاضنة، التي ربت عمر إلى أن وصل عمره ست سنوات، تم تخلت عنه بدورها أمام باب المسجد. عاش معها العنف والقهر والتخلي، مع رسالة تقول فيها: “طفل بلا أهل خذوه لن يسأل عنه أحد”.
– المظهر الثالث:
المرأة المربية وهي الجدة التي عالجته من ضربة شمس وآوته بعد هروبه من المسجد ومن الفقيه الذي اغتصبه. هذه المرأة احتضنته ضدا على امرأة أخرى، إلى أن وصل سن العشرين ..وكانت كريمة وطيبة معه وكانت بذلك نقطة الضوء الوحيدة في طفولته.
أما المرأة الرابعة فكانت طيبة وجميلة، كانت تأتي للأحياء الفقيرة وتهدي الصغار فطائر محشوة بمربى المشمش، ظل عمر يتذكرها طيلة حياته، ويتذكر هذه الحلوى،
حيث نجده كلما تقدم في السرد والعمر يحن إلى تلك السيدة وإلى شطيرتها اللذيذة المحشوة بالمشمش، وهو العنوان الثاني الذي اقترحه د. يقطين كبديل عن “عمر الغريب”.
المرأة الأخيرة هي امرأة الحلم واسمها أحلام، أحبها في القرية التي عاش فيها في أسرة الجدة، عمر وهو طفل فقير لقيط معدم، أحبها لكنها لم تعره اهتماما، فترسخت خيبته، رغم أنه كان متفوق في الدراسة وساعدها على اجتياز الباكالوريا، ودخلت بفضل مساعدته لها إلى عالم التدريس.
لكن الأمور ستتطور بعد أن يصبح طبيبا معروفا مختص في أمراض النساء والتوليد، تلجأ إليه أحلام، منكسرة يائسة، وهي حامل من شخص آخر تنكر لعلاقته بها. هنا سيظهر عمر شهامة غير عادية، سيتزوجها وينقدها اجتماعيا من فضيحة كادت تقضي على حياته وسمعتها، لكنه زواج بطعم الانتقام و القصاص من خيبة سكنته.
الملاحظ من خلال سيرة عمر، أنه ومن خلال كل هؤلاء النساء اللواتي بصمن حياته ومن خلال حتى مغامراته الغرامية العابرة، وكأننا به يبحث من خلالهن عن تلك الأم المحتملة، الأم البيولوجية التي تخلت عنه.
ملاحظة جيدة أثارها ذ. حسن عبيدو، ونوه بها د. يقطين، وهي أن النص مكتوب بحرفية عالية وقدم ككتلة واحدة بدون عناوين فرعية وبدون بياضات، عبر شخصية تقنية، جسد ميت وروح تحكي وتسرد حياتها..
هي فكرة ذكية ومميزة، جعلت البعض يعتقد أنها رواية بوليسية، بدأت بالتحقيق والاستنطاق، والحال أن الرواية تحقيق ذاتي واعتراف ذاتي، فعمر الغريب يحاسب نفسه طيلة سرده لسيرته الذاتية من البداية إلى النهاية، مع جملة قوية اختزلت كل ذلك في:
“عمر قتلني”.
انتهىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىى الفيلم
في انتظار عرض الجينيريك….
“أيها النقاد لا تقتربوا من نص ليس بينكم وبينه علاقة حب”..