ديوان عبد الرحمان الآيسي الكدورتي:سفر يربط بين الماضي والحاضر
بين الجد الشاعر الآيسي الكدورتي والحفيدة أمينة أوشلح

بعد خمس سنوات من التنقيب والتحقيق، تمكنت خلالها الباحثة والكاتبة والمناضلة أمينة أوشلح أن تسافر في رحلة بحث طويلة وتنتقل بين جيلين من الزمن، انتهت بها إلى نسج خيوط معرفية رفيعة بينها وبين جدها، جمعت كل ذلك، في كتاب قيم يحمل عنوان ” ديوان عبد الرحمان الآيسي الكدورتي..بين الجد والحفيدة”.
الكتاب هو إذن، تحقيق الحفيدة لديوان الجد، تهديه لروح والدتها “زينب نايت سليمان: “التي لولاها لما نجا هذا الديوان من التلف والضياع، والتي تعلمت منها الصبر والرغبة في التعلم والاكتشاف”.
أمينة أهدت الكتاب أيضا، لروح والدها ” قاسم بين عبد الواحد”:” الذي أصر على تعليمي وانخراطي في العصر، والذي تعلمت منه النضال والكدح من أجل تحقيق المبتغى”.
يقع الكتاب في 350 صفحة، بتصدير الأستاذ عباس الجيراري، وتقديم شهادة الدكتور الحسين آفا، وتصميم الغلاف من طرف الشاعر عزيز أزغاي.
الحفيدة أمينة أوشلح بعثت الحياة في أوراق جدها الذي يعتبر أحد علماء سوس الأفذاذ، وقد استحضر أثره الشعري العلَّامة المختار السوسي في الجزء الثامن عشر من كتاب “المعسول”. وقامت بإضفاء حلة من الجدة على قصائد جدها تتضح هذه الإضافة الشعرية في القسم الأول من الديوان.
ومن خلال تلك الأشعار، تنقلنا الحفيدة للمظاهر الاجتماعية التي عرفتها وتعرفها المنطقة (منطقة سوس)، وكيف يتفاعل الشاعر مع محيطه خلال صور شعرية، وتؤرخ للمنطقة اجتماعيا وثقافيا وسياسيا قبيل فترة الحماية الأوربية وخلالها، كما تعتبر هذه القصائد مرجعا في الخلخلة الاجتماعية التي ولدتها العزلة وقلة المواصلات، والتي تضمنتها القصائد الموجهة للسلاطين وعلى رأسهم السلطان مولاي حفيظ العلوي، وقصائد موجهة للشهيد السلطان محمد الخامس، وقصائد أخرى وجهها للقائد المدني، ونقل فيها معاناة السكان من ظلم الموالين للاستعمار، كما عرض فيها الجانب الديني في المنطقة عبر تضمين إشعاره مجموعة من الفتاوي، واستعمالها كوسيلة للتواصل.
الكاتبة ربطت بين الماضي والحاضر، و قدمت أيضا مساهمة في توطين وتسجيل الذاكرة الثقافية التي أسس لها جيل من الباحثين، حيث أنها أعادت قراءة الذاكرة الجماعية بشكل جديد، واعتبرت أجزاءها متشابكة ويصعب فصلها، وتساءلت الكاتبة عبر فصول الكتاب حول إمكانية التغاضي عن ما وصلها وجزء من مكونات جذورها وشروط حضارتها وعناصر هويتها.
الكتاب اعتبره الأستاذ عباس الجراري، مساهمة من أمينة أوشلح في الجهود الكبيرة التي بذلها بعض علمائنا الشباب..الذين اهتموا بإحياء تراث السابقين ونفضوا عنه غبار الإهمال وأبرزوا بذلك صحائف سوسية مشرقة من الأدب المغربي المكتوب باللغة العربية إلى جانب صحائف أخرى أمازيغية.
ومن جهته كتب الأستاذ الحسين آفا عن هذه الدراسة وقال عنها إنها تؤكد أن الباحثة بذلت مجهودا كبيرا لإخراج التراث المخطوط وتيسيره للباحثين، أسوة بغيرها من الباحثين الذين سبقوها في سبر أغوار التراث بمنطقة سوس، كما يبرز دورها الطلائعي في خدمة البحث العلمي للتعريف برجالات العلم بسوس والمغرب بصفة عامة.