رحم الله السي عبد الله العسيبي.. هناك في الأعالي، سيشعلون له الند..

عبد الحميد جماهري
كان وجهه يحكي رواية كلها حرائق، بابتسامة تقول ألا شيء يحترق في ذاكرته… هادئ، بسيط، يبعث موجات طمأنينة لكل من يتملى بياضه الأمازيغي، كما لو كان بقايا ثلج عتيق قادم من جبل سيروا.. عبد الله العسيبي، لم يعد والد صديقي لحسن، منذ أن عرفته.. قبل معرفته ولقائه في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كان شخصه يتشكل من الحروف المعجبة التي كان يرويه بها الحسن، ابنه وزميلي في الشبيبة الحزب والأدب وقتها، عندئذ كان والد لحسن.. من بعد، صار والدنا جميعا وصديقنا البعيد الذي يطل من الفينة والأخرى، بالجريدة وفي ثنايا الكلام… فيه شيء من والدي: نحافته الجبلية، هدوءه وصمته البليغ، وأيضا بعض بياض يشوب سمرة مخبأة… وعاطفة تنتقل إليك بمجرد أن يقترب منك لأول مرة.. في بيته، توطدت صداقتي بابنه، ثم تعرفت على أخويه محمد وحكيم… ولد الرجل في حضن الوطنية، ورافق شيخ العرب، وكان يكفي ذلك ليثير إعجاب الشباب الاتحادي الذي كناه ويثير تقدير المناضلين الكهول الذي صرناهم.. حافظ مع ذلك على شيء من براءته الأولى: كانت ابتسامته، حقا، ككلمات طفل حطت على شفتيه.. لحسن الحظ أننا عرفناه.. في زمنين زمن التألق والتجرد والصراع والزنازن وزمن الهدوء وارتفاع الغشاوة عن سحر النضال وتحول البلاد إلى واقع بِسُمْكِ ورقة نفركها علَّ أسماء الشهداء تطلع من حبرها السري.. يحب ابنه لحسن أن يصفه بالرجل ذي المعطف الطويل، كما في صورة على شاشة طفولته كما لو أن اسمه كاسم حلم دافيء ونبيل يشرق ويضيء المشهد كله الآن.. ببساطة لأنه من طينة مناضلين لم تعد الأرض قادرة على أن تستنسخهم.. صارت السماء غنية بهم كما لو غادرتنا إلى شعب آخر.. أحب أن أتذكره كمحاولة تمريض ذاتي كوصفة هدوء للتطهير الذاتي وأيضا لقياس المسافة التي قطعناها، بلاد وعبادا في تجاه متعرج، لا يليق باستقامته الوافية.. يمكن الحديث عنه بلا انقطاع، والحديث إليه عندما تغمره بسمته وتمتلأ عينيه بالكلمات.. اييه نعم، هؤلاء أمثال عبد الله، كانت الكلمات تسكن نظرتهم، لهذه كانت تتحدث إلينا عند كل لقاء ويعلمونك بنوعِ النظرة نوعَ الوجود.. رحم الله السي عبد الله، والدنا الجامع، أكيد أنهم هناك في الأعالي، سيشعلون له الند كما يليق بضيف امازيغي شفيفٍ وَرعٍ..