انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

سعيد الرفاعي.. الذي لم نودعه

نزار الفراوي يكتب عن سعيد الرفاعي الصحفي والإنسان والناسك الذي لا يغويه ضوء..

تواطأ محبوه على الضحك.. ضحكنا بافتعال أحيانا، استدعينا حكايات قديمة نعرفها كلنا، بلا معنى تقريبا.. فقط كي تمر اللحظة بانفعال أقل…تلهينا بالشاي والعصير والحلوى، وبصور للذكرى. ألهمنا الخوف من عدوى الدموع شهادات قصيرة تجنبنا فضيحة الهشاشة التي نخجل منها…ثم إننا لم نودعه.. عدت إلى مقعدي، وتابعت انسحابه بطرف عين خلف الباب الزجاجي. بدا كما لو أنه يستعجل الانصراف ليتنفس خارج حب واصطفاف اعترف أخيرا أنه كان يتوقع..

في يوم الاحتفاء به، أتى متأخرا، على عادته في تصديق وعد القطار الرابط بين القنيطرة والرباط. يدخل إلى قاعة التحرير بذات الخطو الوئيد الخافت.. ويلتف على اليمين لئلا يقطع الممر الوسطي المفتوح أمام العيون. .يوزع ابتساماته التي لم تحتجب يوما.. ثم يترصد مكانا.. أي مكان، بإحساس ضيف طارئ، لا يروم إزعاج أهل البيت…البيت الذي أنفق فيه ثلاثة عقود من عمره…حتى أن الصورة القديمة التي يودعها محفظة الجيب، لشاب نحيف، فاحم الشعر، تكاد تنكر انتسابها اليه..

لك أن تشك جديا في حظوتك لدى سعيد، فالرجل ملك عام، ولا أحد، تقريبا، احتكر فيه مجالسة أو رفقة سفر أو وجبة طعام. حتى شغف الكتب والفنون أفق يفتحه للجميع. ومن جهتي، فإن ما أغنمه على وجه الحصر، فضلا عما أتقاسمه مع الأصدقاء والمحبين من سنوات رفقة وألفة طويلة، ذاكرة عام من أيام الدوحة، تشاطرنا فيها الحنين ولفحة الحر الخانقة وبرد المكيفات في فضاءات وزعنا عليها أياما نحصيها في انتظار العودة. في المرة الوحيدة التي لبى فيها الرجل الخجول دعوة بيت كان مفتوحا للغرباء، كدت أندم على صنيعي. فالرفاق الذين شاركونا السمر ظلوا يبادرونني كلما قابلتهم، ب السؤال عن “الزول”، و “الزلمة” و “الراجل الطيب” الذين أحبوه في سويعات خاطفة، بكل لهجات العرب، يتهافتون على موعد ثان في حضرته، ولكنه كان العشاء الأخير.

 

ليست هذه كلمات عن سعيد الرفاعي، بل عن يوم لا يوم بعده معنا في مؤسسة قضى بها نحو عقود ثلاثة من عمره المبارك الذي ينذره للعطاء والإيثار وزرع الفرح في نفوس الضائعين والتائهين، الذين يعدونه احتياطي دعم وملاذ.. يحسبونه ثريا لأنه لا يرد طلبا. وحين لا يسعفه الظرف لا يتردد في طلب شيء بالوكالة عن غيره، فهو سيد الكفاف والرضا.. ويحدث أن نضجر من طيبوبته العارية من كل حسابات المخاطر، ينهشها الطامعون والأفاقون أحيانا.. يعدنا خيرا ثم يظل كما كان…بلا جهاز حذر وتحوط، لقد خبر جميع أصنافهم لكنه كان قد وثق انتماءه لزمن البراءات الأولى..

سعيد الرفاعي… أديب بلا كتاب، صوفي بلا شيخ، مناضل وطني وقومي بلا بطاقة انخراط، عاشق بلا اعتراف.. عابر سبيل يفضل الدروب الخلفية وناسك لا يغويه ضوء..

 

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا