سلمى مختار أمانة الله: أكتب لأتخلص من ضجيج الكلمات التي تملأ رأسي..
القلق المستمر هو وقود الكتابة والإبداع

حوار: رضوان بن شيكار*
صور: زليخة
كنت أتمنى أن ألتقي الملكة بلقيس ملكة سبأ شخصية تاريخية آسرة تفند ادعاء هيمنة المجتمع الذكورية في ذلك الزمن البعيد..
نعيش عصر فقدان الخصوصية عصر كثر فيه الاتصال وغاب فيه التواصل..
*كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
– سلمى مختار أمانة الله كاتبة مغربية من أصول موريتانية مصرية لدي ثلاث إصدارات مجموعة قصصية وروايتين “ولي النعمة” و” عمر الغريب”
*ماذا تقرأين الآن وماهو أجمل كتاب قرأته ؟
– أقرأ الآن رواية “الصحراء وبذرتها” من الأدب اللاتيني، للكاتب الأرجنتيني خورخي بارون بيزا.
بالنسبة لأجمل ما قرأت، يمكن أن أقول، إنه وعلى مدار عمر طويل من القراءة أعجبت بالعديد من الكتب ظل بعضها عالقا بالفعل بذاكرتي كرواية ” العطر” و”قيمة القيم” للمفكر المهدي المنجرة.
* متى بدأت الكتابة ولماذا تكتبين؟
– لم تكن الكتابة حاضرة كمشروع لدي. ولجتها كشكل تعبيري للتنفيس عن مكنونات الذات من جهة والتفاعل مع المحيط بالطريقة الأقرب لقناعاتي من جهة أخرى. أكتب أولا لأتخلص من ضجيج الكلمات التي تملأ رأسي ثم أكتب لعلي أقبض على بعض خيوط المعنى التي تشدنا إلى الحياة قبل أن ينفلت مني العمر.
*ماهي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
– القاهرة مدينة تسكتني وأشتاق دوما للتسكع في شوارعها وأحيائها القديمة. فهي مسقط رأس أمي ومرتع ذكرياتي الجميلة.
* هل أنت راضية على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
– لايزال المبدع مبدعا حتى يرضى عن عمله..القلق المستمر هو وقود الكتابة والإبداع في نظري، ومسألة الرضى تظل نسبية إلى أبعد الحدود. حاليا، أشتغل على رواية جديدة تعالج بعض التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي فرضتها هيمنة الامبريالية الجديدة وسيادة الرأسمال.
* متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة بشكل نهائي؟
– أنا بالفعل أقوم بعملية إحراق أوراقي الإبداعية بشكل مستمر وأستعين بشراراتها لنبش من جديد في أعماق الذات الكاتبة لأبقيها على قيد التجديد والإبداع. بالتالي سأتوقف عن الكتابة حين تنطفئ تلك الشرارة ويخبو تماما وهجها المحفز.
* ماهو العمل الذي تتمنين أن تكوني كاتبته وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
– كل عمل جميل يدفعك بشكل أو بآخر للانتماء له بتفاعلك وبما يتركه لديك من أثر. لكن صدقا لم أتمنى أن أحل محل مبدع آخر المسألة لا تتجاوز الإعجاب بالعمل.
أكتب عادة بالليل وأنا مستلقية على أريكة. وضع غريب لكن لا أذكر أني كتبت حرفا واحدا وأنا في غير تلك الوضعية.
* هل للمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها؟ أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
– علينا أن نعترف أن الرقعة التي كان يحتلها المثقف العربي من قبل ضاقت جدا. والأسباب عديدة منها الموضوعي كانحسار دوره السابق كفاعل وكطرف متحكم في الحركية السياسية والاجتماعية داخل المجتمع ومنها ما هو ذاتي أيضا باعتبار الإحباط والخيبات المتتالية التي عرفها المثقف وخيبته، بالتالي اختار التواري عن مشهد عام لم يعد فاعلا فيه بالشكل المفروض ليكتفي بدور المتفرج.
*ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
– العزلة الاختيارية ضرورية للمبدع تمكنه من الانكباب على عمله الإبداعي مع ما يتطلبه من تركيز وتأمل وهي عزلة طبعا بطعم الحرية المطلقة التي يحتاجها أي كاتب. أما العزلة الإجبارية كتلك التي فرضت علينا في زمن كورونا، فتلك لا تخدم إطلاقا شرط الحرية التي يحتاجه أي مبدع.
* شخصية من الماضي ترغبين لقاءها ولماذا ؟
– كنت أتمنى أن ألتقي الملكة بلقيس ملكة سبأ شخصية تاريخية آسرة تفند ادعاء هيمنة المجتمع الذكورية في ذلك الزمن البعيد
* ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ؟
– كل يوم جديد هو بداية جديدة في نظري وحتى الأشياء التي لم أتمكن منها يمكننا تداركها في كل وقت إذا توفرت الإرادة والرغبة الحقيقية لدي. أنا راضية تمام الرضي على ما فات بحلوه ومره..
*إلى ماذا تحتاج المرأة المغربية لتصل إلى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعنا الذكوري بامتياز؟ إلى دهاء وحكمة بلقيس أم إلى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
– المرأة المغربية جزء من مجتمع عرف تغيرات وتحولت على مدار تاريخه. لم تشغلني قط مسألة المساواة بين الرجل والمرأة بقدر ما كنت معنية دائما بالخلل في المنظومة ككل. التشبت بالقيم الكونية بالحب بالتربية على الأخلاق بالدين الحقيقي الغير مسيس كل ذلك كفيل بأن يمنحنا مجتمعا سويا ستكون المرأة وجهه المشرق بلا شك.
*ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
– الذاكرة هي نتاج زمن ماضي غائب عن حاضرنا الحالي لكنها تشكله بما لها سلطة علينا كذوات تنتمي لذاك الماضي، أما الفقد فهو إحساس متفرد يتعلق بعلاقتنا مع شئ معين، بالتالي قد يتحول لذكرى.. كما قد ينتج عنه الفراغ الكامل طبقا لمدى علاقتنا بذلك الشئ المفقود.
*صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن روايتك الأخيرة ” عمر الغريب “، كيف كتبت وفي أي ظرف؟
– هناك شرارة ما تنطلق من داخلك لتمارس فعل الكتابة. بالنسبة لروايتي الأخيرة #عمرالغريب # سجلت ذاكرتي الوجدانية لقطة مؤثرة عن طفل لم يتجاوز السابعة من عمره تخلت عنه والدته في مكان عام وظل لفترة طويلة بغد ذلك ورغم وجوده في مكان آمن ووسط لائق ومناسب، ظل يقوم بحركة لاإرادية بعنقه يحركه يمينا ويسارا كأنه في بحث لا ينتهي عنها. هذه الصورة وجدتها تقفز أمامي وأنا أخط أولى سطور الرواية وإن كنت لم أوظفها إلا كمحرك لانطلاق الرواية لبناء حياة متخيلة ذاك الطفل الفاقد لحضن الحب في سن لم يحتاج فيه لغير الحب.
*هل يعيش الوطن داخل المبدع المغترب أم يعيش هو بأحلامه داخل وطنه؟
– شكل الاغتراب موضوعا في الأعمال الإبداعية لزمن طويل. أدب المهجر مثلا. لكن المفهوم حاليا طاله نوع من الاختلاف أقصد مفهوم الاغتراب. بعد العولمة والتطور التكنلوجي في وسائل الاتصال لم يعد الوطن بعيدا مهما بعدت المسافة نحن نعيش عصر فقدان الخصوصية عصر كثر فيه الاتصال وغاب فيه التواصل الحقيقي. بالتالي فغربة اليوم، هي غربة مع الذات أولا غربة تجاه عالم يتغير بسرعة فائقة.
* أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
– الذكريات الجميلة كثيرة والحمد لله. لحظات الفرح التي تقاسمتها مع أحبتي واحتضان كتبي ورؤية البحر في ليلة مقمرة صافية وغيرها من اللحظات، أما أسوأ لحظة فلعلها حين أخبرتني طبيبتي بأني سأفقد بصري بعد فترة قصيرة. كانت لحظة قاسية على امرأة تعشق القراءة ورؤية البحر.
*كلمة أخيرة أو شئ ترغبين الحديث عنه؟
– تشبتوا بالحب فهو الخلاص الوحيد في عالم يحطم الجسور الإنسانية بمعاول الرأسمالية الجشعة.
* عن موقع العربي اليوم