خيرية المنصور..المخرجة التي تفتت تناقضات المجتمع برؤية يرفضها المنتجون..
بقلم أمينة بركات
تعتبر خيرية المنصور رائدة الإخراج السينمائي في العراق، وإحدى النساء العربيات التي اختارت أن تقف وراء الكاميرا، في الوقت الذي كان الإخراج السينمائي حكرا على الرجال. في الوقت الذي كانت المرأة ممثلة تخضع لإدارة المخرج، قررت خيرية خوض هذه التجربة بعد أن عشقت الفن من باب السينما وكانت عازمة على توظيف العين الثالثة لكشف المستور وعرض كل ما تعاني منه حواء من مضايقات و احتقار لذكائها. وحتى تحقق مبتغاها تسلحت بالدراسة الأكاديمية، حيث حصلت على بكالوريوس فنون من أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد وماجستير في إخراج الخدع التلفزيونية من القاهرة سنة 1987، ثم دكتوراه في النقد السينمائي.
لم تتوقف خيرية عند هذا الحد، بل حرصت على التكوين المستمر، عبر الإستفادة من الدورات التدريبية في مختلف تقنيات الصناعة السينمائية من بينها دورة تدريبية على مستوى الإخراج السينمائي، تحت إدارة عملاق السينما العربية يوسف شاهين و ذلك في فيلم “حدوثة مصرية” و”إسكندرية كمان وكمان” سنة 1983 و 1989. عملت أيضا كمساعدة إخراج بجانب كل من صلاح أبو سيف في فيلم “القادسية” و محمد راضي في “حائط البطولات”، ووقفت أيضا بجانب المخرجة المصرية ايناس الدغيدي في فيلم ” الوردة الحمراء”، كما وقفت بجانب المخرج الكبير الراحل توفيق صالح. وللتذكير فقد سبق لخيرية أن شاركت كعضوة في لجنة التحكيم بالمهرجان الأول للفيديو بالمغرب..
تحمل خيرية المنصور في جعبتها أكثر من 78 فيلما من مختلف الأجناس تنتمي لمجموعة كبيرة من الدول العربية، حياتها حافلة بالنجاحات والجوائز التقديرية عن أعمالها التسجيلية، مثلت بلدها أحسن تمثيل في مختلف المهرجانات الدولية وسجلت بذلك اسمها في سجل السينما العربية، وما زالت تعمل على تواجدها في الساحة الفنية العربية لتصبح قدوة لكل الصبايا العراقيات اللائي يردن خوض تجربة الإخراج السينمائي. بجانب الشهادات التقديرية، فازت مرتين بجائزة الدولة الكبرى التي تمنحها وزارة الثقافة للمبدعين. وهي التي قال فيها المخرج الكبير، فقيد السينما العربية “يوسف شاهين ” بعد أن شاهد باكورة افلامها 6/6 :
“أنا فخور بخيرية المنصور ولا سيما أنها مساعدتي وأستطيع ان أراهن عليها بأنها ستكون مخرجة لها شأن في المستقبل، وأنا أحسب أن فيلم 6/6 فيلما متميزا لأنه يكشف عن قدرات مخرجتنا في إدارة مجموعة الممثلين و الممثلات ببراعة. لقد كانوا مقنعين في الأداء بل كان الأداء رائعا و تلقائيا وخاصة بطل الفيلم نبيل (قاسم الملاك) هذا بالإضافة إلى أن كادر الفيلم كان مرسوما بجمالية محببة إلى النفس الى جانب قدرة خيرية الكبيرة في الانتقال من مشهد الى أخر و أنا فعلا سعيد وفخور بعملها جدا”.
تقول خيرية عن تجربتها مع يوسف شاهين :
“جاءت الفرصة الذهبية وكنت مساعدة للمخرج توفيق صالح في فيلم “الأيام الطويلة”، كنت أتعلم منه وأسأله عن كل شيء وفِي إحدى زيارات يوسف شاهين إلى العراق مر علي توفيق صالح في موقع التصوير، وكنت ارتعش من الرهبة.. كيف التقي بهذا العملاق .. وكان الجو عاصفا ثلجيا في شمال العراق فاضطر للمكوث معنا يومين. عرفته أكثر وتناقشت معه عن فيلم العصفور وكان يوسف معجبا بما أقوله قاطعني وسط الحديث والتفت إلى توفيق صالح قائلا:” انأ عايز البنت دي تعمل معي .. التفت إلي و قال : تشتغلي معي” ؟.. فكاد يغمى علي من شدة الفرح، قلت له:” أتوسل …” يوسف شاهين هو من صقلني سينمائيا وعلمني ماهية السينما فكريا وأداة ووضع قدمي على الطريق الصحيح،،، بدأت معه من كتابة السيناريو في فيلم “حدوتة مصرية” إلى كتابة السيناريو التنفيذي ” الديكوباج” والتصوير لنهاية الفيلم حتى عرضه .. كنت واحدة من أسرته هكذا عاملني. وتحملت المسؤولية وأنا عندي 22 سنة ونجحت معه استمريت بالعمل معه كمساعدة في أربعة أفلام سينمائية “حدوته مصرية” و” إسكندرية كمان وكمان” و”المصير”، وكلها خطوات كانت فرصة ذهبية بالنسبة لي.
أخرجت أول فيلم وثائقي قصير تحت عنوان” بنت الرافدين” و عرضت السيناريو على يوسف شاهين فقام بتصحيح بعض الأخطاء. وحصد الفيلم جوائز محلية وعلى مستوى العالم كمهرجان موسكو السينمائي و فاز الفيلم بالجائزة الثانية ليصبح خطوة تبشر بالخير هذا حسب رأي استاذي يوسف شاهين. رجعت إلى القاهرة وأنا أحمل سيناريو فيلم روائي طويل بعنوان “6/6 ” وقرأته معه سطرا سطرا، فغضب لأني سأبدأ بفيلم كوميدي، لكن قلت له:” لن يخرج عن مدرستك “الشاهنشاهية”.
فشاهد الفيلم بعد انتهاء التصوير في إحدى زياراته للعراق وذلك قبل عرضه وكنت خائفة وهربت منه لكنه أخذني في حضنه وقال لي:” مش خسارة فك التعب يا بت”. ولدي وثيقة نشرت بجريدة الثورة، عندما أدلى برأيه للصحافة، استمريت بالعمل بين الفيلم الوثائقي والروائي وقطعت أشواطا وقدمت حصيلة جيدة من الأفلام التي أعتز بها والتي حصلت على عدة جوائز من بينها شريط” 100/100″ ، الذي يعتبر من أهم انجازاتها الفيلمية، وقد حضت أخيرا بتكريم عن مجمل أعمالها بمهرجان ” قابس” السينمائي التونسي الذي عرض خلاله الفيلم الروائي والتاريخي إن صح التعبير”الثلج لا يمسح الذاكرة”، شريط يعرض و يناقش مرحلة احتلال العراق وسبق له أن عرض في دار الأوبرا بالقاهرة وكتب حينها عنه الراحل الناقد السينمائي الكبير سمير فريد. وهناك فيلم آخر ترك بصمة كبيرة في سجل السينما العراقية وهو “اللوحة الأخيرة” إنتاج مصري أكدت به المخرجة أنها تمتلك قدرات مهنية تنافس بها أكبر المخرجين المتمكنين من أدواتهم السينمائية و قد فازت عنه بجائزة الابداع الكبرى. أما في إطار العلاقة العملية التي جمعت خيرية المنصور بالمبدع الكبير يوسف شاهين صدر لها كتاب تحت عنوان “شرنقة شاهين” الذي ترجم إلى اللغة الانجليزية في أمريكا حيت تستقر حاليا وتعمل كمديرة لموقع الصدى الذي يجمع ثلة من الكتاب و والمبدعين من العالم العربي كما أخرجت ثلاثة أفلام تسجيلية.