انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

لماذا استقالت أسماء المرابط؟

نعيش في ظل عقليات ما زال يسطر عليها فقه الجمود وفقه الطاعة العمياء

عزيزة حلاق

تفاجأ الجميع اليوم بخبر تقديم أسماء المرابط استقالتها من رئاسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، إذ جاء الخبر في صيغة تدوينة نشرتها باللغتين العربية والفرنسية، على صفحتها الرسمية بالفايسوبك قالت فيها:” “قدمت استقالتي من رئاسة مركز الدراسات النسائية في الإسلام التابع للرابطة المحمدية لعلماء المغرب وأودّ بهذا الصدد أن أعبر عن تقديري الكبير للسيد الأمين العام أحمد العبادي الذي كان بمثابة أستاذي و في نفس الوقت أخ بكل معنى الكلمة، شكري الخاص و محبتي لأعضاء هذا المركز”.

الخبر لم يكن عاديا، ولم يمر عابرا، بل أثار الكثير من الاستفهامات.. وتناسلت التأويلات والتدوينات.. لماذا وكيف؟ أسئلة طرحت بالنظر للمكانة العلمية لهذه المرأة ولمواقفها الجريئة والمثيرة للجدل. وعزت بعض المواقع الأمر إلى دعوتها للمساواة في الإرث.. عبرت عنه في ندوة عقدت مؤخرا في الرباط، خلال مناقشة كتاب “ميراث النساء”، حيث قالت:” إن إعطاء حصة متساوية للمرأة في الإرث هي في عمق مقاصد الإسلام، وليس ضده”. وأضافت “يمكن حل مشكل الإرث .. بإنشاء لجنة ملكية يتناقش فيها الكل، كما تم الأمر بالنسبة لمدونة الأسرة”.

 

تعرفت على الأستاذة المرابط لأول مرة سنة 2002، أجريت معها حوارا عقب صدور أول كتاب لها  بفرنسا  كان اسمه ” مسلمة وكفى”، وتلته كتب أخرى منها “عائشة زوجة الرسول أو الإسلام بصيغة المؤنث” و”القرآن والنساء: قراءة للتحرر” و“النساء، الإسلام، الغرب: الطريق نحو العالمية”، “النساء والرجال في القرآن: أية مساواة”؟ وتمكنت المرابط من خلال هذه الكتابات والندوات التي تشارك بها عبر العالم أن تبني جسورا للتسامح الديني، وتسلط الضوء على قضايا مغلوطة تحسب على الدين، بينما هي نتاج العرف والتقاليد لا غير. واعترافا باجتهاداتها الفكرية وإصدارتها ، حازت السنة الماضية 2017، على جائزة الأطلس الكبير، في دورتها 24، عن مؤلفها الجديد “«الإسلام والنساء… الأسئلة التي تغضب”..سنوات بعد أول لقاء، سيكون لنا معها حوارا طويلا نشر على صفحات مجلة “بسمة” التي كانت تصدر عن مجموعة ماروك سوار، ناقشت فيه العديد من القضايا، وطرحت المرابط وبشكل واضح مجموعة من مواقفها التي أثارت ولا تزال الكير من الجدل ومنها مسألة المساواة في الإرث.

ولتقريب قراء “بسمة ماغ” من أفكار هذه العالمة التي يجب أن نفتخر بها، نعيد نشر بعض من محاور الحوار: لمن لا يعرفها، هي امرأة من طينة نادرة، مهنتها الأصلية طبيبة وزوجة رجل سياسي ودبلوماسي معروف هو يوسف العمراني. لكنها ترفض أن تقدم كزوجة رجل مهم وتصر على الصفة التي يعرفها بها الإعلام والعموم، الأستاذة والباحثة في مجال البحث والتفكير في الحقلين العلمي والديني.. وفي مجال قضايا النساء في الإسلام بشكل خاص. انخرطت المرابط مبكرا في البحث والدراسة والتفكير في إشكالية المرأة في الإسلام وفرضت اسمها كواحدة من الباحثات المعترف بهن دوليا ووطنيا، تحاضر في جامعات كثيرة حول هذا الموضوع..وهي منسقة بحث لمجموعة بحث وتفكير دولية حول المرأة المسلمة، ورئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب. ما يمزها جرأة مواقفها ومقارعة منتقديها بالحجة والدليل. وينصب عملها داخل مجموعة العمل الدولية على تصحيح الأفكار والتصورات والتمثلات الخاصة بالمرأة المسلمة وتقديم قراءات للنصوص القرآنية من وجهة نظر نسائية خاصة. تثير أفكارها الكثير من الجدل فهي من قال بمسألة الاختلاط في المساجد وأن الحجاب ليس فرضا، وليس من أركان الدين. وتقول اليوم بالمساواة في الإرث. تؤمن بأنه يمكننا أن نجد الحل لكل قضية في نطاق اجتهاد جماعي، وتؤمن بضرورة مقاربة كل أمورنا الحياتية والدنيوية بفقه الواقع الذي يربط النص بالسياق.سألتها:

كيف كانت بداية اهتمامك بالمرأة والإسلام ومتى ولماذا؟

انطلق اهتمامي بالاشتغال على قضية المرأة والإسلام، من شعور يتجلى في أن الإسلام دين رحمة ولا يمكن أن يهين المرأة، أو يظلمها أو يحط من كرامتها كانسان كما يروج لذلك في الخطابات والتأويلات الدينية، التي تبقى خطابات إنسانية قالبة للخطأ والصواب. كان لدي هذا اليقين، لكن ترسخت قناعتي أكثر مع البحث في هذا المجال والانخراط في مجلات الاجتهاد العالمية. وتغيرت لدي، أيضا، بعض الأفكار المسبقة، التي كنت أعتبرها من المسلمات التي لا تقبل الجدال أو النقاش. وتوصلت خلال هذا المسار الطويل من البحث إلى مسألة أساسية، وهي أن كل شيء قابل للتغيير ما دام الواقع يتغير، فالأفكار تتغير وتفرض عليك أن تكون لك نظرة متغيرة تلائم الواقع.

زاد انخراطك في مجال البحث محليا من خلال المهمة التي أسندت لك وهي رئاسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، ومن خلال ترؤسك للعديد من المجموعات الدولية أيضا؟  

بالفعل، فبجانب المركز، ترأست مجموعة دولية للبحث والتفكير في قضايا الإسلام على المستوى العالمي، ومجموعة أخرى، تشتغل على قضية المساواة في العائلة من داخل المنظومة الإسلامية والفقه الإسلامي، ونشتغل أساسا على مسألة المفاهيم، و بدأنا بمفهومي القوامة والولاية، كمفهوم قرآني وفقهي وكمفهوم معاصر مرتبط بالواقع.

هذا يعني أن هناك اجتهادا فقهيا لربط المفاهيم بمتغيرات الواقع؟

تماما، فالسائد مثلا بخصوص مفهوم القوامة هو أن الرجل مفضل على المرأة والحال أن الآية القرآنية تقول ” الرجال قوامون على النساء بما انفقوا” بمعنى أن القوامة تنتقل للمرأة حين تصبح هي من ينفق على الأب والأخ والزوج والابن. وهذا واقع نعيشه فالإحصاءات بينت أن أكثر من ثلث الأسر المغربية تعيلها نساء. ودستورنا الجديد أقر في الفصل 19 بالمساواة بين الرجل والمرأة. فكيف يمكن أن نترك القوامة للرجل في ظل المتغيرات التي يعرفها الجميع. لذلك أقول إننا أعطينا مفهوم القوامة في تأويلاتنا الفقهية أكثر مما يحتمل. في حين هناك اجتهادات العلماء تبين أن القوامة رصد ومعاينة أكثر منها شيء أخر..

القوامة تنتقل للمرأة حين تصبح هي من ينفق

 ماذا تعنين بذلك؟

يعني أن القرآن وضع مفاهيم وفق السياق الذي وجد فيه. فهو رصد لما هو موجود. وحتى العلماء الأولون ومن بينهم محمد عبدو كانوا يقولون، إذا لم تكن في استطاعة الرجل النفقة ..والمرأة هي التي تنفق.. فالقوامة ترجع لها. وهناك مفاهيم أخرى مثل التشاور والتراضي. والولاية تجعل من القوامة غير لصيقة بالرجل بل تكون متبادلة بينهما. .إن كان كلاهما ينفق. هذا ما نحاول الاشتغال عليه سواء هنا في المركز أو في الشبكة الدولية. فكفانا من التفسير الديني المنعزل عن الواقع.

هل تدخل مسالة المساواة في الإرث ضمن انشغالاتكم؟

طبعا، وأقول في مسالة الإرث ما أقوله في مسالة القوامة لأن الإرث فسرته القوامة، بمعنى انه بني على أساس مبدأ العدل. وأقول إن القران عدل والسنة عدل والإسلام عدل، لكن واقعنا ليس عادلا. وبالتالي يجب أن لا نكتفي بالقول إن النص قطعي وكفى. بل لا بد من فتح نقاش حول الموضوع وكل المواضيع الحياتية.

هل يمكن فتح هذا النقاش اليوم في المغرب حول مفهوم الإرث والمساواة؟

الأمر صعب الآن.

لماذا؟

لأننا نعيش في ظل عقليات ما زال يسطر عليها فقه الجمود وفقه الطاعة العمياء. ليس هناك أسلوب النقد الذاتي أو النقد العلمي للتفسيرات الدينية. ومع ذلك علينا أن ندعو إلى فتح النقاش حول الموضوع.

هل يندرج تأسيس مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام الذي تترأسينه في سياق الاجتهاد الذي تنادين به وفتح نقاشات حول هذه المواضيع؟

أشير إلى أن إحداث هذا المركز جاء بمبادرة من الأستاذ احمد العبادي، الأمين العام لرابطة علماء المغرب، الذي قام بمراجعة وقراءة كتابي “النساء في القرآن”  و جرت اتصالات بيننا وأعجب بجرأة أفكاري وقال لي:”هذا ما يلزمنا نحن في المغرب”. اشتغلت معه وكنت وقتها أترأس المجموعة الدولية للبحث في قضايا النساء المسلمات، التي من أهدافها فتح نقاش مع علماء الدين. فاقترحت عليه، إحداث شراكة بين المجموعة ورابطة علماء المغرب، خاصة وأنه من المنخرطين في الفقه الواقعي الذي يوازن بين النص والسياق ومن دعاته. رحب بالفكرة وفي 2010 أثمرت هذه الشراكة إحداث هذا المركز.

الم يخالجك تخوف، على استقلاليك كباحثة، من الاشتغال في مركز للأبحاث تابع لمؤسسة رسمية؟

تبتسم، بلى، تخوفت كثيرا وترددت في قبول العرض لكن ثقته بي شجعتنني وجعلتني أتحمس لدخول التجربة، وكان من شروطي احترام استقلاليتي، والحد لله الثقة كانت في محلها والتجارب التي مررت بها تبرهن أن استقلاليتي محفوظة حتى الآن.

بعد الجدل الذي أثير حول قولك بجواز الاختلاط في المساجد، موقفك من الحجاب أثار أيضا ردود أفعال منددة، هل أيدتك الرابطة حول موقفك من الحجاب الذي لا تعتبرينه فرضا؟

لم يصدر أي بيان عن الرابطة، لأنني أقول إن هذا فكري وأنا لا أتحدث باسم الرابطة، وما زلت أقر بأن الحجاب ليس من الأولويات وليس من أركان الدين، ما فعلناه هو أننا اختزلنا التصور الشمولي للإسلام المبني على العدل والعلم، والرحمة والمساواة في مستوى جسد المرأة، وهذا ما أسميه بالتدين العليل.

مفهوم الحجاب مفهوم سياسي وإيديولوجي جاء مع فكر الإخوان المسلمين ومن وقتها ونحن نرى ونربط هوية المرأة المسلمة وإسلامها وإيمانها ودينها بجسدها وباللباس الشرعي، والحال أن القرآن لا يتكلم عن اللباس الشرعي، وتحدث في سورة النساء عن نساء الرسول احتراما لشخصيتهن وحياتهن، باعتبارهن زوجات الرسول وأمهات المؤمنين. الإسلام تحدث عن الخمار وعن الحجاب في آية واحدة فقط، أنا لا أقول إن الحجاب غير موجود في الإسلام ولكن لا يجب أن نعطيه هذه الأهمية التي تعطى له لدرجة أفرغته من محتواه الأخلاقي. وأرفض أن يقال اليوم إن الحجاب يعبر عن تدين المرأة.

من أين تستمدين هذه الجرأة وهذه القوة في طرح بعض الأفكار، التي غالبا ما يقابلها رفض يصل أحيانا حد التكفير، ألا تخشين ذلك؟

أشعر بأن مساري كباحثة أعطاني القوة والنضج، لأنتقد بصفة علانية الخطاب الديني الراديكالي المتطرف، الذي أصبح يخيف ويؤثر على الشباب ويدفع به إما إلى الانخراط في هذا التطرف الفكري، أو يرفض الدين ويثور عليه، وهذا تطرف من نوع آخر، ما يخلق على أرض الواقع مجتمعا “سكيزوفرينيا” يعاني انفصام الشخصية. وهذا راجع في أساسه لكون الخطاب الديني ليس واقعيا. لهذا أجد نفسي في هذا المسار مؤمنة برسالتي وبقناعتي ولا يخيفني شيء، وأقول بأنه يجب على النساء أن يكن أكثر جرأة لاسترجاع حقوقهن.

 

 

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا