ممنوع على النسا
هن في حياتي.. شكرا لكن
عادل الزبيري
طرقت الباب، فتحت لها، قبلتها وبادلتني سلاما بسلام، سألتها بوقاحة طفل صغير: “ماذا أحضرت لي”، أجابتني “لا شيء”، تركتها في بيتنا الصغير، وأطلقت ساقاي للريح هاربا صوب ملعب الحي.
عندما جاء وقت الغذاء، نادت علي أمي، بقيت غارقا في مقارعة اقراني كرة القدم، على أرضية ترابية، لأن المباراة بمنطق الكابتن ماجد، تنطلق كي لا تنتهي ولا تتوقف.
وبعد وجبة غذاء جماعي، ناولنتي زائرتنا كيسا، في داخله حلويات، شعرت بسعادة غامرة جدا، استرجعت فرحي، قبلت يدها مرتين؛ رحمك ربي جدتي فاطمة.
فاطمة جدتي كانت سيدة تنتج المحبة، وتوزعها على الجميع، في كل المناسبات، غلبها المرض الخبيث، فرحلت باكرا قبل أوانها وفق تقويمي؛ تاركة وراءها الكثير من المحبة في ذكراها.
في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دخلت حياتي رياح دافئة وجديدة، كنت أتحول لصحراء جرداء، ذبلت ورودي تدريجيا.
تلقيت في سنوات ماضية وقريبة، مسلسلا من من ضربات قاسيات ومؤلمات ومتتاليات، تركت على وجه روحي ندوبا، كعلامات على انهزامات.
ولكنني تعرفت عليها، من حسن حظي، في وسط بحر هائج يضربني، كنت أنهار في بطىء ،ولكنها رمت لي طوقا النجاة؛ أمسكت بها لأواصل حيا بحب.
دخلت حياتي شابة باسمة المحيا اسمها أميمة، حبيبة فزوجة؛ فنجحت ورودي في الزحف منتصرة على الصحراء، فرحلت الرمال، وجاء الربيع في سبتمبر 2010.
في قرية بين جبال الريف، اسمها إزلوكن، 57 كيلومترا في ضواحي مدينة الحسيمة؛ كانت تستقبلني كل صيف، ضيفا مشاغبا وطويل المقام زمنيا، فتلعب دور أم ثانية لي، فتحضنني وتساعدني على تجاوز شغبي المتمادي، بصبر الجدة.
تتركني أجمع حبات لوز لأكمل كيلوغرام أو اثنين، أبيعهما في الخميس الأسبوعي، فأشتري كثير حلويات فوق العادة، وأضمن مصروف أسبوعي.
ولا تزال جدتي رحمة تعيش في بيتها الريفي، زرتها في الصيف الماضي للعام 2017، تحدثنا طويلا، كلما حضنتها وجدت فيها أما أخرى لي.
من وراء حبي لمدينة أصيلة، زوجتي وحبيبتي أميمة، ولكني ربحت في حياتي أما أخرى، هي أم زوجتي، ألقبها بالحاجة احتراما وتقديرا لها، واسمها ثرية.
وابنتي غدير وابني عمران يكبران تحت ظلال حبها أيضا، تذكرني الحاجة ثرية بصدق، في جدتاي فاطمة وميمونة؛ فمن تجربتي الجدة أم ثانية.
وفي أصيلة تجد عائلتي صغيرة ارتياحا مصدره الحاجة ثرية.
تعتقدون أنني نسيتها، محال أن ينبض قلبي لها إلا حبا، اسمها ميمونة، والدتي التي أتفرد بأني طفلها ووحيدها، لا شقيقا ولا أختا لي.
فوالدتي لا تزال تراني طفلا، ولا أزال أشعر عندها صبيا وشقيا.
في حياتي نساء ونساء
يلعمنني معنى النقاء
يقفون معي ضد الشقاء
ميمونة سيدة استثنائية، انهارت عشرات المرات، ووقفت من جديد، تشاغب الدنيا لتواصل، كلما التقينا كان بيننا ود كبير، وكلما هاتفها حدثتني بآخر الأخبار العائلية بكل التفاصيل المملة.
ومدين بوجودي في هذه الحياة، لمن حملتني 9 أشهر، على هون، وتحملت تربيتي بصبر طويل النفس، إلى أن اشتد عودي صبيا وثم شابا، واليوم رجلا.
وفي حياتي اليوم نخلة جميلة تنمو، اسمها غدير، جاءت لحياتي في أواخر فصل الربيع، ومع اقتراب فصل الصيف، كانت هدية جميلة من الله، لتتحول حديقتي لغابة أزهار.
كلما سألتها ماذا درستم، تجيبني بمرح: “القراية”، فأضحك أو أعيد السؤال بجدية، فتقص علي يومياتها الدراسية.
فعلا من لا امرأة في حياته.. فلا حياة له، وليتأكد أنه ليس بحي يرزق.