انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

توأم.. النسبية!

زهير اسليماني

وجد في الشارع الطويل، المضاء بقناديل الذاكرة وجلدات المطر الغزير، توأمه الغريب، أنثوي الكيان، طويل ومتواصل وممتد.. عند الغسق، النازف مطرا.. وكله أمل في أن يسأله سؤالاوجيزاوبسيطا، لا يسأله بعده أبدا..

سأل: “لما تستيقظ باكرا في وقت كل ما فيه يأتي متأخرا”
أجاب: “بل كل شيء في هذا الوقت حل باكرا وحدك تأخرت!”

أدرك لتوه عاصفة الأرق التي تزلزل كيانه والغربة تعلو محياه في مرآة الحياة المكسرة..
– ومن كسر هذه المرأة التي كنت أستعين بصمتها لإخماد الضجيج الذي بداخلي؟ عبرها كنت أستبطن كياني وأتحايل على الصوت الأنثوي الجواني.. كي لا يتهيأ أمامي! ألم تر أنني أطوقها بالأبيض وأنصبها مقلوبة رأسا على عقب، كي تتساقط منها شظايا ذاتي..
من غير ضبط الوقت في ساعتي اليدوية وقد ضبطت عقاربها على الاتجاه يسارا، كي أرجع إلى الوراء قليلا لأنظم بعض الأشياء.. وأتأمل ذاتي وما إذا كانت سترضيني حالتها عندما تدخل وقت الغد!
وأنت من اختارك توأما لي دون رأيي ومشورتي؟ لو تركت مرآتي على حالها وأبقيت ساعتي كما ألفيتَها، لما كنتَ اليوم أمامي! لكنت أول الأشياء التي ألغيها من وقتي..
أيها التوأم الشبيه في كل الشيء،والغريب في الجنس والسن والملامح.. أيهما أنا وأيهما أنت؟! أيها الشبيه المختلف من انتفى منا أنا أم أنت؟! من ذهب منا ومن بقي؟ لو أعدنا عقارب الساعة إلى الوراء،أكنت سأذهب أليك أم كنت ستؤوب إلي؟! أترى لو انطبقنا في كيان واحد.. لما أخذ منا موت الحياة الآخر؟ لما أطللنا من الشرفة ورأينا أحدنا الآخر تائها، حائرا، متشظيا، منفصما، مقلوبا على رأسه، يمشي لخلفه،يرى وجهه ولا ينظر إليه، يتلاشى، يكبر يتزوج يشيخ.. وأتعطل!

أراه يرشف رشفة زعقت من اعتصارها، القهوة بين شفتيه..ويغوص في قرارة نفسه الزجاجية..
– مالي أيها الغريب أرى فصل الإمطار حل باكرا وعلى غرة وعجل، وتراه أنت قد حل متأخرا جدا؟ آلفرق، في جوهره،بيننا؟أم بين مرآتينا وساعتينا وجنسينا؟!
لا يعرف الجواب لكنه يعرف أن المطر يتهاطل وما يزال.. يتهاطل رغما عن ساعته المعكوسة ومرآته المقلوبة وزجاجها المكسر! فالزمن لا يعرف مبدأ العطالة..
يتحسر: “المطر لا يعرف هاته الأشياء بل يثيرها..” ويستمر في الشارع حائرا في الاتجاه، بين التوجه نحو توأمه أو الابتعاد عنه!
أعلق على هذا المشهد الشفاف: لا يكمن المشكل في الاتجاه نحوه أو الابتعاد عنه، بل في الاتجاه الذي سيختاره هو نحوك أو عكسك.. وهو كفيل بالرد على أسئلتك.. التي ستظل فيك ولو كفكفت السماء دمعها عنه وعنك.. أنت صرت من الزمن إلى الوجود، وهو صار من الوجود إلى الزمن.. وإن انطلقتما من نفس السؤال المرجعي:تحقيق الذات.. في ذاتها.. لا لذاتها!

لكنها ما تزال تمطر على مرأى من عيني التوأم والصباح.. والشارع له إيقاع وقته.. تخفت قناديله نهارا وتتوهج ليلا..

الساعة الثالثة صباحا.. وهو لم ينم، أغلق النافذة التي منها كان  يطل.. وانكفأ على ما تبقى من قهوته السوداء.. يتأمل ملامح توأمه.. أخذ له شهيقا عميقا من سجارته.. كمن يريد أن يحرق شيىا بداخله، أو ينفثه ولو دما خارجه..وما يزال يغص على مضض بسؤاله الأول:

“فمن منهما أنا ومن منا أنت؟ ومن منا نحن الثلاثة المعني بالإجابة عن السؤال؟!”

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا