مدينة بني ملال للباحثين عن جمال الطبيعة والهدوء وسط المغرب
من محطة «أولاد زيان» للحافلات، غادرت مدينة الدار البيضاء، متوجها إلى مدينة بني ملال… معظم الحافلات الموجودة بالمحطة تتبع القطاع الخاص، والأتوبيسات جيدة ونظيفة. ويبلغ ثمن التذكرة الواحدة لبني ملال 60 درهما مغربيا نحو (6.6 دولار أميركي)، الحافلات جيدة ونظيفة، وتتحرك بشكل دوري في اتجاه المدينة الداخلية.
مثل أغلبية المدن العربية العتيقة، يصعد الباعة المتجولون إلى الحافلة، ويعرضون بضائعهم من المأكولات الخفيفة والمشروبات الغازية على الزبائن والركاب، لكنهم ينصرفون قبيل تحرك الحافلة. خلال الرحلة التي تبلغ مسافتها نحو 200 كيلومترا، يستطيع السائح رؤية الأراضي الزراعية الشاسعة المزروعة بالقمح، والتي تعتمد في ريها على هطول الأمطار. المزارعون المغاربة شكوا من تأخر سقوط الأمطار هذا الموسم لنحو شهرين، رغم قيامهم بتجهيز الأراضي وحرث التربة قبل سقوط الأمطار بنحو شهرين. بعد 100 كيلومتر، يتوقف الأتوبيس في محطة مدينة خريبكة للحافلات بوسط المدينة، لنزول بعض المسافرين، وركوب آخرين جدد متوجهين لبني ملال.
بعد مرور نحو ساعتين ونصف، من مغادرة كازابلانكا، وصلت الحافلة أخيرا إلى المحطة الرئيسية في بني ملال، وخلال الطريق الطويل شاهدت عددا كبيرا من عصارات زيت الزيتون، التي تأخذ المدينة شهرة واسعة من توريد كميات كبيرة من هذا الصنف، إلى باقي المدن المغربية الأخرى، ويباع كيلو الزيت الواحد بنحو 60 درهما مغربيا، وهذا سعر جيد، بالقياس إلى متوسط دخل المواطن المغربي الآخذ في التحسن.
شوارع المدينة القديمة، ليست متسعة، لكنها منظمة وأنيقة، رغم وجود عدد كبير من الباعة المتجولين على جانبي الشارع الرئيسي المؤدي إلى وسط المدينة، الذي توجد به استراحة عامة كبيرة، ملتصق بها سور تاريخي قديم يفصل بين هذه الاستراحة والسوق القديمة التي يتم بيع الملابس فيها.
عين أسردون
تاكسي المدينة الداخلي، لونه أصفر ومميز جدا، وتعريفته الموحدة داخل أنحاء المدينة 10 دراهم فقط، وتزيد في الفترة المسائية لتصل إلى 15 درهما، وتعد منطقة عين أسردون الطبيعية والجبال الخضراء المحيطة بها من أهم معالم المدينة السياحية والترفيهية، ويقصدها سكان المدينة للتنزه في العطلات الأسبوعية والسنوية. ويصعد «طاكسي» المدينة (تاكسي، أو سيارات الأجرة الداخلية)، إلى أقرب نقطة من شلال عين أسردون الطبيعية. ومعظم السائقين يتحدثون بلهجة مغربية سريعة، غير مفهومة للسائح الأجنبي أو العربي، لكنهم يحاولون التحدث ببطء وباللغة العربية الواضحة من أجل الحفاظ على التواصل بين الجانبين.
عكس باقي المدن العربية أو المغربية الأخرى، لا يسعى كثير من سائقي التاكسي إلى استغلال الأجانب أو السياح ماديا، بل يعاملونهم بلطف واحترام شديدين، ويشيدون بما تمتلكه المدينة من مقومات سياحية وترفيهية يصل إلى حد الفخر.
كلمة عين أسردون تتكون من كلمتين، عين بالعربية أي منبع، وأسردون بالأمازيغية وتعني البغل، وبالتالي يعني الاسم «عين البغل».
منطقة عين أسردون المزينة بأشكال متنوعة من الأشجار، هي لوحة خضراء جميلة عندما تراها للمرة الأولى، إذ تجتمع بها كل عناصر الجمال والطبيعة الخلابة التي يبحث عنها بعض العاشقين والمولعين بالهدوء والاستجمام. وبينما يكون الليل شديد البرودة، تمد أشعة الشمس الساطعة نهارا أجساد السائحين المحليين والأجانب بالدفء النسبي، في موسم الشتاء.
من داخل باطن الجبل تتدفق عين مياه طبيعية نحو الوادي بشكل دائم، وقامت السلطات المغربية المحلية باستغلالها جيدا، وأقامت شلالا صغيرا يضفي إلى تلك المنطقة الرائعة المزيد من الجمال، وأحاطته بمناطق خضراء منسقة جدا على طراز الحدائق الأندلسية، وأمام هذا الشلال الطبيعي يلتقط كثير من الزوار الصور التذكارية، وبإمكانهم أيضا الصعود إلى أعلى ومشاهدة خروج المياه من باطن الجبل في شكل انسيابي رائع، لا يتوقف. وخصصت السلطات أيضا قناة ضيقة لجمع المياه المتدفقة من أعلى بجانب الطريق الرئيسي المؤدي إلى عين أسردون، للاستفادة بها في الشرب وإعادة ضخها على شبكة المياه العمومية بالمدينة من خلال محطة معالجة تقع في الوادي.
في زاوية متسعة من مدخل منطقة عين أسردون، توجد سلالم خرسانية على الجهة اليمنى، يصعد من خلالها الزائرون نحو قمة الجبل، حيث توجد قلعة عين أسردون التاريخية أو «قصبة عين أسردون»، مثلما يُطلق عليها سكان المدينة. على جانب السلم الطويل، يوجد مخر مائي جاف يحمل مياه الأمطار المتساقطة من الأعلى للأسفل، فيما لا يعيق انحدار السلم، الزائرون من الرجال أو السيدات من مواصلة رحلتهم للأعلى وسط الأشجار الخضراء والمناظر الطبيعية الرائعة. وخلال تلك الرحلة القصيرة، تظهر كل جوانب مدينة بني ملال بوضوح، إذ تبرز مئذنة مرتفعة من وسط المدينة، على الطراز الإسلامي الأندلسي بلونها المميز المائل للحمرة.
المدينة من أعلى تبدو جزيرة حمراء متشابكة الألوان، تتوسط مساحات خضراء شاسعة من حدائق الزيتون الخضراء. ويتمتع سكان الطوابق العليا بالمدينة برؤية مناظر جبلية رائعة مكسوة بالخضرة، طوال شهور السنة.
ورغم أن بني ملال مدينة مغربية حديثة النشأة، تقع في الوسط الغربي للمملكة المغربية بين الأطلس المتوسط و«سهل تادلة»، فإنها تُعد عاصمة إقليم غني بالثروات الفلاحية (الزراعية). ويحد إقليم بني ملال، من الجنوب الشرقي إقليم «الراشيدية»، ومن الشمال الشرقي إقليم «خنيفرة»، ومن الشمال الغربي إقليم خريبكة، وإقليم قلعة السراغنة من الجنوب الغربي. ويبلغ عدد سكانها، وفق آخر الإحصاءات الرسمية نحو 200 ألف نسمة. وشيدت القلعة على قمة الجبل لحماية عين المياه وتأمينها، وهي مبنية من الأحجار الكبيرة، وخضعت لعملية ترميم قبل عدة سنوات، وتحافظ على طرازها المعماري الفريد.
إلى جوار جدران القلعة، كان يجلس بعض الباعة الذين يبيعون الهدايا التذكارية المغربية، بينما كان ينشغل بعض السياح العرب، بالتقاط الصور التذكارية من الأعلى، بجانب جلوس آخرين، للاستمتاع بأشعة الشمس الدافئة بعد ساعات الليل قاسية البرودة. والقلعة مربعة الشكل، وبها 4 بروج قصيرة، تحتوي على كثير من فتحات المراقبة والتصويب، ولها بوابتان حديديتان مغلقتان، لكن لا يوجد خارجها أي لوحة تبين أهميتها التاريخية.
ويؤكد مجموعة من المؤرخين والباحثين في تاريخ المغرب القديم، أن بني ملال من أقدم الأماكن التي عمرها الإنسان في شمال أفريقيا، ورغم أن الحفريات لم تبدأ بشكل فعلي في المدينة، فإن انتشار الكهوف بها يؤكد ذلك، إذ يتضح من خلال أشكالها، ومواقعها بأنها من صنع الإنسان، وليس نتيجة عوامل طبيعية، فأثر استعمال الأدوات الحديدية في عملية الحفر والثقب بادية على جدران الكهوف وواجهاتها، وتفصيلاتها وأشكالها الهندسية، فهي في مجملها تقدم لنا أنماطا فريدة من أشكال التعمير البدائي القديم بأقبيتها، وغرفها، وأشكالها الهندسية المتميزة والفريدة.
وتتميز بني ملال بمآثرها التاريخية… حيث يوجد بها أسوار قديمة تعود إلى عهد «مولاي إسماعيل»، والمنارة الشهيرة بها يعود تاريخ بنائها إلى عهد «الموحدين» (القرن الثاني عشر الميلادي). وهي من ضمن أجمل المدن المغربية، ورغم أن مناخها قاري (شديد الحرارة في الصيف وشديد البرودة في الشتاء). فإنها تعد من أهم المدن المغربية الداخلية، حيث أصبحت ولاية وعاصمة لجهة بني ملال خنيفرة. وفيما يخص سكانها فهم مزيج من الأمازيغ والعرب، مما أعطى تنوعا ثقافيا من حيث اللغة والتراث والتقاليد.
شلالات «أوزود»
إلى جنوب مدينة بني ملال، تقع شلالات «أوزود» الشهيرة والمعروفة بجمالها الخلاب، ويفصل بينهما نحو 80 كيلومتر فقط، تقطعها السيارة في نحو ساعة ونصف أو ساعتين بسبب الطرق المتعرجة والضيقة. وتعطي سلسلة جبال الأطلس الشامخة الممتدة في عمق المغرب متعة للعين وسنداً للأراضي والبيوت والسهول، وهى وجهة سياحة رائعة مكملة لعين أسردون، وتلتقي تدفقات وادي «أوزود»، الذي يتشكل من ثلاثة منابع، في مجرى واحد، يصب بعد نحو كيلومتر، في وادي العبيد، الرافد الأساسي لنهر أم الربيع، أهم أنهار المغرب. ويقوم زوار المنطقة بالترجل بسبب الطبيعة الجبلية، قبل أن يسلكوا مسارات تقودهم إلى أسفل للاستمتاع بمشاهد خلابة.
ونظراً لتضاريس وطبيعة المنطقة الجبلية، الواقعة بالأطلس المتوسط، فإن من عادة زوار شلالات «أوزود» أن يستمتعوا بجمال وطبيعة المنطقة راجلين، حيث يقومون بركن السيارات والحافلات بساحة واسعة قبل التوجه إلى المسالك المدرجة التي تنزل بالزوار إلى الأسفل، حيث مياه الشلالات، التي يمكن الاستحمام فيها، والاستظلال بالأشجار الوارفة، التي توفرها أشجار الزيتون المنتشرة في جنباتها في فصل الصيف.
يوجد في بني ملال، وحدات فندقية في مستوى استقبال السياح الراغبين في خدمة تساير تطلعاتهم وتمنحهم إمكانات مهمة للزيارة والسياحة، مثل فنادق «الشمس» و«تازركونت» و«أوزود» و«البساتين»، والمنطقة معروفة بهدوئها وقدرتها على توفير الأمن والأمان لزوارها. وتتفاوت مستوى الفنادق في تلك المنطقة حسب إمكانيات كل سائح.