أصواتهن في صرخة جيلZ :ما تْقصْنيش..

المرأة في انتفاضة جيل Z : واقع جديد يرسم ملامح مغرب آخر

حديث بسمة/ عزيزة حلاق

لم تعد المرأة في الاحتجاجات المغربية مجرد حضور رمزي. هذه المرة، تقدّمت الصفوف، رفعت الصوت، دافعت عن حقها في الاحتجاج وحرية التعبير، وواجهت رجال الأمن بجرأة غير مسبوقة.

صور الأمهات والفتيات ترسم ملامح تحوّل عميق في المشهد الاجتماعي والحقوقي بالمغرب.

ما لم تُنتجه عقود من الخطب الرسمية والمقررات الحقوقية، أفرزته الشوارع المغربية في لحظة احتجاج جيل Z.

مشهد قوي: نساء من مختلف الأعمار والطبقات، أمهات وبنات، كلهن في ساحة واحدة، يحملن الغضب نفسه والجرأة ذاتها.

صور لا تشبه أرشيف الاحتجاجات القديمة، بل تنتمي إلى زمن جديد؛ زمن نساء خرجن من منطق “المساندة الصامتة” إلى موقع الفعل والمواجهة.

في شوارع الرباط والدار البيضاء وفاس وطنجة وتطوان، ومدن أخرى، بدا حضور المرأة كثيفًا ومتنوّعًا:

فتيات شابات يصرخن في وجه رجال الأمن بعبارات حاسمة:

“ما تْقَصْنيش، ما عندكش الحق”، “لا تلمسني”، “خرجنا سلمياً نطالب بإصلاح التعليم” والصحة العمومية وفرص عمل للشباب”.

ومنهن من تم توقيفهن من قبل الأمن، لكن ما إن أُطلق سراحهن حتى عدن مجددًا إلى المظاهرات، وصرخن أمام وسائل الإعلام:

“نتحدى الاعتقال، ومستمرات في الدفاع عن حقوقنا المشروعة”.

تابع المغاربة عبر مشاهد مؤثرة أمهاتٍ يحاولن حماية أبنائهن وسط الزحام، يقفن بين الحشود بصلابة وثقة في وجه رجال الأمن، وعبّرن بوضوح عن فهمهن لمطالب أبنائهن، كأنّهن يرددنها عن وعيٍ ومسؤولية، لا عن تعاطفٍ عابر.

وعلى الضفة الأخرى، برزت وجوه نسائية أيضًا داخل الجهاز الأمني: شرطيات يتعاملن بحزم، لكن بوعي مختلف عن سنوات مضت.

كأنّ المشهد برمّته يعيد صياغة العلاقة بين السلطة والمواطنة، بين الجسد الأنثوي والمجال العام.

انتفاضة جيل Z كشفت عن وجه جديد للمرأة المغربية: من المتظاهرة إلى الشرطية، من الصرخة إلى الموقف و تعليمات المهمة.

هذا الحضور المتعدّد لا يمكن قراءته كواقعة معزولة، بل كتحوّل ديموغرافي وسوسيوثقافي ووعي سياسي عميق.

جيل جديد من النساء، وُلد وتربّى في ظل انفتاح رقمي وتراجع سلطة الرقابة الاجتماعية، يطالب اليوم ليس فقط بالكرامة الاقتصادية، بل بالحق في الوجود الكامل داخل الفضاء العام، بلا وصاية ولا خوف.

في المقابل، تكشف مشاركة الأمهات عن وعيٍ متنامٍ لدى جيلٍ سابق أدرك أن قضايا أبنائه وبناته هي قضاياه أيضًا، وأن الدفاع عن الكرامة كل لا يتجزأ.

لم تكن الشعارات النسائية هذه المرة عن “حقوق المرأة” بمعناها الكلاسيكي، بل عن “الحق في الوطن والمواطنة”، عن المساواة في الغضب كما في الأمل.

فالمغرب الذي كانت المرأة فيه غالبًا رمزًا أو مواطنة من درجة ثانية في المناسبات السياسية، بات اليوم يكتشف في الميدان   عن نساءً مواطناتٍ يرفعن الصوت، يناقشن، يجادلن، ويواجهن رجال السلطة بأنفة وبنظرات واثقة في الشارع بلا خوف ولا خضوع.

التحوّل الأبرز هنا ليس فقط في الصورة، بل في اللغة أيضا.

لغة نساء جيل Z ليست مترددة، بل حاسمة ومباشرة، تعبّر عن وعيٍ بالحقوق، وعن جيلٍ كسر حاجز الخوف الاجتماعي قبل أن يكسر حاجز الخوف الأمني.

إنها لغة تعيد تعريف مفهوم “الأنوثة” في المجال العام: من الخضوع إلى المشاركة الفعلية، من الحذر إلى الجرأة، من الصمت إلى الصرخة.

Exit mobile version