جيل Z يصرخ في وجه الصمت: دعوة إلى الإصغاء بدل القمع
حديث بسمة/ عزيزة حلاق
لم يكن أحد يتوقّع أن ينفجر الشارع المغربي في خريف هذه السنة 2025 من خلال جيلٍ وُصف طويلًا بالتافه واللامبالي، جيل يُقال عنه إنه غارق في الشاشات وألعاب الفيديو. لكن المفاجأة أنّ هؤلاء الشبان، أبناء جيل Z، اختاروا أن يخرجوا من وراء هواتفهم، ليقولوا كفى.
خرجوا في الرباط والدار البيضاء وأكادير وطنجة والحسيمة ووجدة، يرفعون شعار سلمية وشارات بسيطة وعميقة: “الحق في الصحة”، “مدرسة للجميع”، “كرامة وإسقاط فساد”.
لم يطلبوا المستحيل، لم يرفعوا شعارات أيديولوجية، بل عبّروا عن وجع يومي يعيشه كل بيت:
أم تنتظر موعدا أمام مستشفى عمومي، أب يبيع ما يملك ليُدخل ابنه إلى مصحة خاصة، طالب يضطر لترك مقعده الدراسي لأنه لم يجد من يعينه، وحين يكافح ويتخرج يجد نفسه يلتحق مكرها بطابور العاطلين.
جيل Z لم يأتِ من فراغ. هؤلاء وُلدوا في مغرب الوعود الكبرى، لكنهم كبروا على وقع خيبات متكررة: مدارس بلا جودة، جامعات بلا أفق، بطالة تنهش الطموحات، وفساد يلتهم ما تبقى من ثقة. ومع ذلك، لم يختاروا الانسحاب، بل قرروا أن يواجهوا الواقع بلغتهم: لغـة الشبكات الاجتماعية، مقاطع قصيرة تنتشر في دقائق، نداءات تعبئة لا تحتاج إلى زعيم أو حزب.
الرد الرسمي كان أمنيًا: انتشار مكثّف، منع وقفات، اعتقالات بالعشرات. المشهد يعيدنا إلى معادلة مألوفة: شباب يصرخون من أجل الكرامة، وسلطة تسدّ الآذان بالهراوات. لكن هل يمكن أن يُطفئ القمع عطش هذا الجيل للكرامة؟ ربما يُسكت الأصوات مؤقتًا، لكنه لن يمحو الأسئلة الكبرى التي تلاحقهم كل يوم، لماذا لا نجد مستشفى يداوي جرحنا؟ لماذا مدرستنا تُخرّج العطالة بدل الأمل؟ ولماذا مؤسساتنا عاجزة عن الإصغاء لنا؟
الدرس الأهم هنا، أن هذا الجيل لا يشبه الأجيال السابقة. هو لا يثق في الأحزاب ولا في النقابات، لكنه ليس ضد السياسة. بالعكس، هو يمارس السياسة بطريقة مختلفة: مباشرة، رقمية، بلا وسائط. هو جيل لا ينتظر الخطابات المطوّلة، بل يسأل عن نتائج ملموسة. وحين لا يجدها، ينزل إلى الشارع بلا خوف.
ما وقع ليس “فورة شباب” ستنطفئ مع أول هراوة. هو تحوّل اجتماعي عميق، رسالة مفتوحة إلى من يحكم وإلى من يُفترض أن يمثّله. جيل Z يطالب فقط بما يراه بديهيًا: أن يعيش بكرامة في وطنه.
القضية الآن ليست في كبح هذه الاحتجاجات، بل في تحويلها إلى فرصة. الفرصة أن نستمع إليهم بدل أن نُسكتهم، أن نحاورهم بدل أن نطاردهم. الإصلاح الحقيقي يبدأ حين تعترف الدولة أن شبابها ليسوا خطرًا، بل طاقة كامنة. هؤلاء الذين يُتهمون باللامبالاة هم أنفسهم الذين يملأون الشوارع اليوم طلبًا للكرامة.
جيل Z اليوم يكتب فصلاً جديدًا في علاقة المغاربة بدولتهم. فإما أن يُقرأ هذا الفصل بجدية، فيُفتح باب إصلاح حقيقي يضع الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية في المقدمة، أو سنبقى ندور في حلقة مفرغة: احتجاج، قمع، هدنة قصيرة… ثم عودة إلى الشارع.
إنّ أبسط ما يمكن أن نقوله ونحن نرى هؤلاء الشبان في الساحات هو: دعونا ننصت إليهم قبل أن نلومهم. دعونا نعطيهم ما يستحقون قبل أن نخسرهم.