من يدفع ثمن شبابٍ “مقرقب”؟

جيلان وصورتان… إلى أين يمضي المغرب؟

ما حدث أمس في عدد من المدن المغربية لم يكن مجرد “أحداث شغب” عابرة، بل صفعة مدوّية في وجه مجتمعٍ يغض الطرف عن أزمة تتعفن منذ سنوات.

شباب “جيل زيد”، خرج بوعي وسلمية ليطالب بالكرامة، يرفع صوته في الشوارع مطالبًا بحق بسيط في الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية، فيُقابَل بالقمع والاعتقال.

وفي الجهة المقابلة، شباب أكثر مأساوية، لم يعد يعرف من الدنيا سوى “الجرعة” التي تتحكم في مصيره، جرعة مخدر تقتات على جسده وعقله، فصار قنبلة بشرية متنقلة، يفتك بنفسه وبأسرته وبالمجتمع. جيل ضائع، بلا بوصلة ولا قضية، لم يخرج ليطالب بحق، بل خرج كالمسعور، “جاعر” ليحرق ويكسر ويدمّر. رأيناه أمس يهاجم سيارات الأمن، تلتهمه شهوة العنف كما تلتهم النار البنوك والمؤسسات التجارية. يصرخ بأعلى صوته، لكن صراخه بلا معنى، بلا مضمون، بلا أفق.

جيل بأكمله اختُطف من طفولته، حُرم من التعليم اللائق، تُرك في أحياء الفقر والهامش فريسة سهلة لتجار السموم الذين صنعوا منه زبونًا أبديًا للأقراص المهلوسة. لم يعد يميّز بين بيتٍ يحرقه أو حياةٍ يزهقها، لأنه فقد إنسانيته قبل أن يفقد مستقبله.

المفارقة صادمة: الشباب الذي عبّر بوعي عن مطالبه جرى إسكات صوته بالقوة، أما الشباب الذي يدمّر ولا يقدّم شيئًا فتركناه ينمو كالوباء في صمت، حتى صار قنبلة اجتماعية موقوتة تهددنا جميعًا.

أي بلد هذا الذي يُعاقَب فيه جيلٌ لأنه طالب بحقه المشروع، بينما يُترك جيل آخر فريسة للسموم حتى يسقط في هاوية الجنون والدمار؟ كيف وصلنا إلى لحظة يتحول فيها الشاب المغربي من أملٍ في المستقبل إلى تهديد يومي للأمن الأسري والاجتماعي؟

ألم يكن من الأجدر فتح حوار مع شباب خرج بأصوات واضحة ومطالب مشروعة، بدل أن يُدفع إلى جدار مسدود؟ أليس من المريع أن نرى، في الجهة المقابلة، جيلاً “مقرقبًا” فقد كل معنى للانتماء، يضرب والده، يعنّف أمه، ويزهق روح أخته أو أخيه مقابل ثمن قرصٍ تافه؟ أي مستقبل ينتظر بلدًا يترك زهرة شبابه في أيدي تجار السموم بلا محاسبة؟

المسؤولية لم تعد تقتصر على أسرٍ عاجزة أو مدارسٍ فقدت دورها، بل على منظومة كاملة سمحت بأن يصبح تجار المخدرات أسياد أحياء بأكملها، ينشرون سمومهم في وضح النهار، بلا رادع، وكأننا في حرب غير معلنة ضد عقل الأمة وروحها.

إننا لا نتحدث عن أزمة عابرة، بل عن موت بطيء لمجتمع بأكمله. المغرب اليوم ليس أمام أزمة اجتماعية فحسب، بل أمام خطر وجودي: إما أن نحمي أبناءنا من براثن الإدمان، أو نودّع فكرة المستقبل بأكملها. بلد بلا شبابٍ واعٍ هو بلد يسير إلى الهاوية.

ويبقى السؤال الفاضح، الذي لا مفر منه: هل لدى الدولة الإرادة الحقيقية لتجفيف منابع هذه السموم ومحاربة “البزناسة ومافيات الخراب”؟ أم أننا سنواصل سياسة النعامة حتى نصحو ذات يوم على جيل كاملٍ ضاع بين القمع والإدمان؟

Exit mobile version