انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
اصواتهن

الفرنسية ميركوريو ترفض الوسام وتمنحنا درسًا

وسام الدولة لم يُغرِها… فاختارت أن تكرّم المنسيين بدل أن تتوشّح بصمت السلطة

* المقال مترجم بتصرف عن الكاتب والصحفي: ندير داندون

ليست كل الأوسمة جديرة بأن تُعلّق على الصدور، ولا كل الأضواء تضيء دروب الحقيقة. في زمن يتهافت فيه كثيرون على التكريم والاعتراف الرسمي، اختارت المخرجة الفرنسية ستيفان ميركوريو أن تقول “لا”، وتعلّق رفضها على باب التاريخ. رفضت وسام الفنون والآداب، بكل ما يحمله من رمزية وامتياز، مفضّلة البقاء إلى جانب “الذين لا يُكرّمون أبدًا”، على حد تعبيرها.

حين ترفض فنانة الوسام وتختار الكرامة: ستيفان ميركوريو وصوت من لا صوت لهم

في رسالة وجّهتها إلى وزيرة الثقافة الفرنسية رشيد داتي، بتاريخ 10 يوليو 2025، عبّرت ميركوريو عن موقفها بجرأة نادرة، قالت فيها:

“في بلد يُلاحق فيه المهاجرون، ويُجرَّم فيه النشطاء البيئيون ومناصرو القضية الفلسطينية، وتفيض السجون بالفقراء واليائسين… في مثل هذا البلد، لا شرف في التوشيح، بل هناك معارك يجب خوضها.”

صوت من الهامش

من يعرف مسار ستيفان ميركوريو، يدرك أن قرارها لم يكن مفاجئًا. فهي التي أطلقت كاميرتها منذ أكثر من عقدين في أحلك الزوايا: في السجون، في بيوت المُرحّلين، وفي مكاتب الانتظار الحكومية، حيث تقف الأرواح على هامش الاعتراف. أفلامها، مثل “À côté” و*”Après l’ombre”*, ليست فقط وثائقيات، بل شهادات إنسانية حيّة على واقع فرنسا المنسية.

إنها تنتمي إلى سينما لا تلهث وراء المهرجانات ولا تحني رأسها أمام الجوائز. سينما ترفض الشفقة وتمنح الكرامة. وميركوريو، ابنة الرسام الصحفي المتمرّد موريس سينيه، لم ترث فقط موهبة التعبير، بل أيضًا عصيان الضمير، إذ سبق لوالدها أن رفض وسام جوقة الشرف سنة 1985، وأسس مجلته الساخرة “سينيه منسويل” كمنبر حرّ لا يخضع للرقابة أو المساومة.

تكريم من نوع آخر

رفض ميركوريو لا يعني تقليلًا من شأن الفنون أو الثقافة، بل هو دفاع عن معناها الحقيقي. لقد أعادت بهذا الموقف تعريف التكريم: ليس بما يُعلَّق على الصدر، بل بما يُكتب في الذاكرة الجماعية. في عالم تُستثمر فيه الأوسمة أحيانًا لإضفاء شرعية على نظام يُقصي ويهمّش، اختارت أن تظل وفية لمن صوّرتهم، لمن آمنت بقصصهم، لمن لم يُمنحوا يومًا فرصة للتكريم.

كتبت في رسالتها:

“الإبداع لا يحتاج إلى ميداليات. بل إلى العدالة والحرية.”

كلمات قليلة لكنها تختصر فلسفة جيل لم يعد يرضى بأن يُستخدم كزينة سياسية، ولا كصوت حيادي في زمن الانحياز.

درس في الشجاعة الثقافية

موقف ستيفان ميركوريو ليس فقط شخصيًا، بل ثقافيًا بامتياز. في لحظة يتعرض فيها الفن المستقل للضغط، وحرية التعبير للمساومة، تخرج ميركوريو لتذكّرنا أن الفنان الحقيقي لا يبحث عن التصفيق، بل عن الصدق. لا ينحني للأوامر، بل يصغي للضمير.

إنه درس ثمين لكل من يظن أن الاعتراف لا يأتي إلا من الأعلى. فهناك اعتراف أعمق، وأكثر صدقًا، يأتي من الأسفل، من نظرة سجين سابق، من دمعة أمّ مُرحّلة، من ابتسامة عامل بسيط لم يظهر يومًا في نشرات الأخبار.

ختامًا

في قرارها النبيل، اختارت ستيفان ميركوريو أن تبقى في صفّ المنسيين. رفَضت الوسام، لكنها من حيث لا تدري، منحتنا نحن وسامًا من نوع آخر: وسام الكرامة، والوفاء، والتمسك بالحقيقة.

وهذا، في زمن القشور، هو التكريم الأرقى.

 

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا