أرقامٌ تحتسبُ أم لا تُعتبر؟
زكية حادوش
“جِد(ي) 10 أسباب لتحب دونالد ترامب”. إذا طرح هذا السؤال في امتحانات البكالوريا عندنا هذه السنة، أكيد أن معدل الرسوب سيكون قياسياًّ سواء طرحتِ المسألةُ في مادة التاريخ أو في الرياضيات!
تاريخياً، يبدو أن الأمورَ تتسارعُ كأن هذا الرئيس الفريد من نوعه يبحثُ له عن مكانٍ ما في التاريخ، ويريدُ بجميعِ الأشكالِ أن تَتحدثَ عنه الأجيالُ الحاليةُ والقادمةُ ولو بوصفه بأسوأَ رئيسٍ في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية! فمنذ إعلانِ ترشيحه للرئاسةِ وهو لا يَكِل ولا يَمَل مِنَ الشتائمِ العنصرية والجنسية والتمييزية ومِنْ اتخاذِ جميعِ التدابير التي في متناوله ضد من يعتبرهم أعداءه حتى في عقر داره، أو بالأحرى داخل وكره.
أما في مادةِ الحساب، فالمسألة معقدة جدا لأنه حتى وإن تغاضينا عن مظهر “دونالد” الخارجي المصطنع، وأقواله البذيئة وأفعاله الرعناء، لا نَجِدُ في سياسته الداخلية والخارجية أي سببٍ لكي نَترحم عليه بعد مماته، فكيف نَجِدُ سبباً لحبه وهو حي يرزقُ، ويعيثُ في الأرضِ فساداً؟
فقد بدأ بتقويضِ التغطيةِ الصحيةِ لكل الفقراءِ في بلاده (حوالي سكان المغرب)، وبتشييدِ سورٍ عدائي ضد جيرانه الجنوبيين وبِسَن ترسانةٍ من الإجراءات ضد باقي دول الجنوب، وبالكذبِ وتوزيعِ الوعدِ والوعيدِ دون الإيفاءِ بهما، سواء عبر إنكارِ ما قام به مِنْ خروقاتٍ بَينةٍ خلال الحملةِ الانتخابيةِ مثلاً أو بتهديدِ كوريا الشمالية بغزوٍ أمريكي وشيكٍ إنْ لم تكفْ عن مناوراتها النووية ثم “قلب الموضوع”، أو تغيير الوجهة إلى منطقة يسهل إشعال الفتنة فيها، أي إلى برميل البارود الذي يسمى الشرق الأوسط. فهل هذه سياسة دولية يستحق عليها “ترامب” التنويه؟ ربما… إذا كان تنويهاً خاصاًّ من نادي تجارِ الموتِ والمآسي، أو مِنْ جمعيةِ قدماءِ مُشْعِلِي فتيل الحربين العالميتين!
بعد انحسارِ “تنظيم دولته” في سوريا والعراق، اِعتقدَ عَمٌ الحكامِ العربِ “المرضيين” الجالسين على براميلِ النفطِ والغاز، أنه آنَ الأوانُ لِلَعبِ أوراقٍ أخرى. هكذا جاءنا نبأ مقتلِ الرئيسِ اليمني السابق علي عبد الله صالح ومعه تَوَقعُ إغراقِ اليمن (السعيدِ أبداً !) في مستنقعِ دماءٍ آخر. ثم قرار نقلِ السفارةِ الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. بجرةِ قلمٍ تحملُ كل الاحتقارِ الذي يكنه لمرضييه العرب وللمنظومة الدولية التابعة، أطلق ترامب رصاصةَ الرحمة على أكذوبةٍ كبرى اسمها “السلام في الشرق الأوسط”. ووضع حكام “الزيت والبوطاغاز والفول” في حرجٍ ما بعده حرج، ومصير المنطقة بأسرها على كف عفريت. ها قد ظهرتِ الحقيقةُ عاريةً أمامهم وأمامنا، فما العمل؟
قد نجد في هذه الحركة الرعناء وحدها عشرة أسباب لنكره “دونالد ترامب”، وننهض للتنديد والاستنكار وحرق صوره في الساحات العامة، لكن هذا سيشفي غليلنا آنيا فقط، ولن يغير من سياسة الأمر الواقع شيئاً. ثم بعد ذلك نجد أنفسنا أمام خريطة جديدة وقواعد لعب جديدة لا تعترف بنا ولا بزعمائنا الأمجاد ولا بتاريخنا العتيد! وفي نهاية المطاف قد نجد أنفسنا جميعاً، باعتبارنا سكان العالم السفلي، خارج التاريخ والجغرافيا، لأننا فاقدون للإيمان، فما زلنا نلدغ من نفس الحجر، وفاقدون للتمييز حين نتعامل في السياسة بالعاطفة ونبحث عن أسبابٍ لمحبة الآخر أو كراهيته فيما يتعامل هو معنا كأرقام فقط…. أرقام تحتسبُ في معادلةِ ميزانِ القوى أم لا تعتبر ؟.