الكتلة التاريخية:فكرة الجابري لمواجهة فوضى الطموحات..

حديث بسمة/ عزيزة حلاق
مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة (2026)، عاد التوتر ليخيّم على المشهد السياسي المغربي، وبدأت “التسخينات” الحزبية مبكرًا، في ظل تجاذبات حادة، خاصة بين حزب “التجمع الوطني للأحرار”، الذي يقود الحكومة حاليا ويطمح إلى ولاية ثانية، مطلقًا وعود “حكومة المونديال”، وبين حزب “العدالة والتنمية”، الذي يراهن على مؤتمره المنعقد بداية من اليوم (26 أبريل 2026)، للعودة بقوة إلى الساحة بعد نكبته وسقطته في انتخابات 2021. وفي الخلفية، تتحرك أطراف أخرى بحثًا عن موطئ قدم، وسط مشهد يزداد تشظيًا وتآكلًا في الثقة.
في هذا السياق المتوتر، حيث يشحذ كل طرف سلاحه الانتخابي ويعد العدة للغلبة، برزت أصوات تجدد دعوة محمد عابد الجابري إلى “الكتلة التاريخية”، كصيغة عقلانية للخروج من منطق الاستقطاب العقيم السائد اليوم، وبناء تعاقد وطني عابر للحسابات الظرفية، يقوم على التوافق حول مشروع ديمقراطي تنموي مشترك، بدلًا من صراع “الديكة” والقصف المتبادل، باستعمال كل الوسائل، المشروعة منها والمرفوضة.
حين دعا الجابري إلى “كتلة وطنية”، لم يكن يطالب بتحالف تقني أو اصطفاف انتخابي عابر، بل كان ينادي ببناء “كتلة تاريخية” تُجسّد التقاء إرادات متعددة، من مختلف المكونات والحساسيات، من الإسلاميين إلى اليساريين، ومن الملكية إلى المجتمع المدني، للالتفاف حول مشروع وطني جامع، يضع حدًّا لمنطق الإقصاء المتبادل، ويدير التعدد بدل أن يُجهز عليه.
لقد شهد المغرب لحظات قريبة نسبيًا من هذا الطرح، كما في تجربة “التناوب التوافقي” مع حكومة اليوسفي، أو ما أعقب حراك 20 فبراير من مراجعات دستورية، لكنها لحظات لم تكتمل، إمّا بفعل ضعف الثقة، أو بسبب ما اعتُبر تحكمًا أو تدخلًا فوقيًا، أجهض روح التوافق.
الكتلة التاريخية: المشروع المؤجل في زمن التيه..
اليوم ونحن أمام وضع حزبي هش، ومشهد سياسي ضبابي، وأفق مغلق، تبدو العودة إلى فكر الجابري، لا كفيلسوف مجرد، بل كمرشد عملي لعقلنة السياسة. فالكتلة التاريخية ليست حلمًا طوباويًا، بل وصفة للخروج من الاستعصاء ومن المأزق، لو ( القضية فيها لو ؟)، لو أدرك الفاعلون أن لا أحد يمكنه الانتصار بمفرده… وأن الوطن لا يحتمل مزيدًا من الهدر في الزمن السياسي.
لكن، من سينصت لصوت الحكمة في زمن الضجيج… قبل أن يبلعنا التيه بالكامل؟.