انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
قصة حب تروى

سيمون وسارتر:”حوار الوجود والحب”

بسمة نسائية/ قصة حب تروى

مقدمة:

قصة الكوبل الأسطوري، سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر، فقصتهما ليست مجرد حكاية حب بين اثنين من أبرز فلاسفة القرن العشرين، بل هي سردية عميقة عن الحرية الفكرية، والشراكة الفريدة، والتحدي للقواعد المجتمعية السائدة. نشأت علاقتهما على أساس اتفاق نادر يقوم على رفض الزواج التقليدي والالتزام بعلاقة مفتوحة تدعم استقلال كل منهما فكريًا وعاطفيًا.

لم تكن هذه العلاقة مجرد تجربة شخصية، بل تحولت إلى رمز للحركة الوجودية التي دافعت عن الحرية المطلقة ومسؤولية الفرد تجاه خياراته. من خلال رسائلهما وأعمالهما، أظهرا كيف يمكن لفكر عميق ومشاعر إنسانية أن يمتزجا ليشكلا قصة تجاوزت حدود العاطفة، لتصبح شهادة على قوة الفكر والحب في تغيير المفاهيم المجتمعية

كانت شراكتهما الفريدة نموذجًا ملهمًا للشراكة الفكرية والعاطفية، أثارت الكثير من النقاشات حول الحب، الحرية، والاستقلالية في العلاقات. وامتد تأثيرها إلى مجالات الأدب، الفلسفة، والحركة النسوية.

بداية العلاقة

التقى دو بوفوار وسارتر لأول مرة في عام 1929، عندما كانا يدرسان الفلسفة في جامعة السوربون في باريس. منذ البداية، كان هناك انجذاب فكري وعاطفي قوي بينهما. كان كلاهما متحمسًا للفكر الفلسفي والأدبي، وأدركا سريعًا أن لديهما رؤى مشتركة حول الحرية، والاستقلال، والمعنى في الحياة.

هذه العلاقة التي استمرت نصف قرن، لم تكن تقليدية، فهي علاقة بين مفكرين فرنسيين يساريين من العيار الثقيل، الأديبة والفيلسوفة ونصيرة المرأة سيمون دو بوفوار، والكاتب غزير الإنتاج وأحد رواد المدرسة الوجودية، الفيلسوف جان بول سارتر.

علاقة لم يربطها عقد زواج رسمي

سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر لم يرتبطا بعقد زواج رسمي طوال حياتهما. ولم يقيما مع بعضهما في بيت واحد. كان هذا قرارًا مشتركًا يعكس فلسفتهما في الحرية الفردية والاستقلالية، والتي كانت محورًا أساسيًا في حياتهما وعلاقتهما.

أسباب رفض الزواج الرسمي

رفض الزواج هو رفض -بالنسبة لفلسفتيهما- للأعراف التقليدية، حيث يرى هذا الثنائي الاستثنائي، أن الزواج، بمعناه التقليدي، قيد اجتماعي يفرض التزامات قد تتعارض مع الحرية الفردية. لذلك فضّلا الحفاظ على علاقة غير رسمية تتيح لكل منهما حرية اتخاذ قراراته دون قيود.

وسارتر، باعتباره مؤسس الفلسفة الوجودية، كان يؤمن بأن الإنسان يجب أن يتحمل مسؤولية خياراته بالكامل، دون الرجوع إلى أي نظام خارجي، بما في ذلك نظام الزواج.

وكان الاتفاق بينهما، إقامة علاقة مفتوحة “أساسية” تمنحهما الاستقرار العاطفي والفكري، لكن دون استبعاد “العلاقات العرضية” مع آخرين. هذا النوع من العلاقات كان يتعارض بطبيعته مع فكرة الزواج الأحادي التقليدي.

وبالتالي فرفض الزواج التقليدي كان جزءًا من ثورتهما ضد القيم الاجتماعية السائدة في ذلك الوقت. ورغم الانتقادات والجدل الذي أثاره هذا القرار، أثبتا أن العلاقات الإنسانية يمكن أن تكون عميقة وناجحة دون الالتزام بالأشكال التقليدية.

هل كان هذا الاختيار ناجحا في علاقتهما؟

تبنّى سارتر ودو بوفوار مفهوم العلاقة الأساسية، حيث كانا يعتبران نفسيهما ملتزمين عاطفيًا وفكريًا، بينما سمحا لبعضهما بإقامة علاقات عرضية مع أشخاص آخرين. هذا الاتفاق كان يعكس رغبتهما في الحفاظ على حريتهما الفردية ورفضهما للأعراف الاجتماعية التقليدية، لكنه لم يمنع الشعور بالغيرة أو الألم. لكن، كان هذا الاختيار  أحيانًا مصدرًا للتوتر والصراعات بينهما.

الخيانة…الغيرة …الألم

فبالرغم من الاتفاق بينهما، كانت الغيرة حاضرة في علاقتهما. وقد أظهرت رسائل دو بوفوار أنها شعرت أحيانًا بالألم نتيجة علاقات سارتر الأخرى، لكنها استمرت في الدفاع عن فلسفة الحرية التي اختاراها. سارتر أيضًا أظهر اهتمامًا عاطفيًا قويًا بدو بوفوار، لكنه كان يعترف بأن فكرة الالتزام الأحادي لا تناسب فلسفته الشخصية.

كان سارتر  أكثر انخراطًا في العلاقات العرضية مقارنة بدو بوفوار. واعترف بأنه أقام علاقات مع العديد من النساء، وكان يصف بعضهن بـ”الحب الثانوي”. بعض هذه العلاقات كانت علنية ومكشوفة، مما تسبب أحيانًا في توتر بينه وبين دو بوفوار، التي كانت أيضًا على علاقة ببعض الرجال والنساء أيضا. ففي كتابها “المذكرات”، وردت إشارات إلى علاقاتها العاطفية مع نساء، مما يعكس تنوع تجربتها العاطفية. هذا الجانب من حياتها يُعتبر جزءًا من رؤيتها الشاملة عن الحرية الفردية ورفضها للأدوار التقليدية المفروضة على المرأة. وبالتالي يمكن القول إن الخيانة بمفهومها التقليدي لم تؤثر في علاقتهما لأنهما اتفقا على إطار مختلف للحب والشراكة. لكن العلاقات العرضية كانت بالتأكيد مصدرًا للضغوط العاطفية أحيانًا، وهو ما يعكس الطبيعة المعقدة وغير المثالية لاختياراتهما الفلسفية والشخصية.

علاقة حب وفكر

لم تكن علاقة سيمون وسارتر مقتصرة على الحب فقط، بل كانت أيضًا شراكة فكرية عميقة. دعم سارتر دو بوفوار في أعمالها، خاصة في كتابها الرائد الجنس الآخر، الذي أصبح مرجعًا أساسيًا في الفكر النسوي. وبالمقابل، كانت دو بوفوار من أشد المؤيدين لفلسفة سارتر الوجودية وساعدته في صياغة بعض أفكاره.

علاقتهما كانت شهادة على كيف يمكن للفكر والحب أن يتداخلا ليصنعا علاقة تمتد أثرها إلى الأجيال القادمة. لقد علّما العالم أن الحب يمكن أن يكون أداة لتحقيق الحرية الفردية، وأنه لا يجب أن يُقيَّد بالقواعد التقليدية.

ولطالما خلق هذا الرباط جدلًا فكريًا كبيرًا حول تأثير كل منهما في كتابات الآخر، وصل أحيانًا لحد اتهام أحدهما بالتأليف للآخر.

ورغم كل هذه التحديات، ظل الاثنان ملتزمين بعلاقتهما الأساسية حتى النهاية. ولم تفلح العلاقات الأخرى في تقويض الروابط العاطفية والفكرية العميقة التي جمعتهما. كانت فلسفتهما حول العلاقات جزءًا من تجربتهما في استكشاف الحرية الفردية، علاقة  قائمة على مبدأ الحرية المطلقة.حيث اتفقا على أن تكون علاقتهما “أساسية” بينما يسمحان لنفسيهما بخوض تجارب “عرضية” مع أشخاص آخرين. رفضا الالتزام بالعادات التقليدية للزواج، وأرادا بناء علاقة لا تعيق حريتهما الفردية أو خياراتهما.

التحديات والجدل

على الرغم من الحب العميق بينهما، كانت علاقتهما محاطة بالكثير من الجدل. انتقد البعض فلسفتهما في العلاقات المفتوحة، ورأى آخرون أن هذه الفلسفة كانت أكثر فائدة لسارتر من دو بوفوار. كما تم الكشف لاحقًا في رسائل دو بوفوار أن هذه الحرية كانت أحيانًا مصدرًا للألم والصراعات الداخلية، لكنهما ظلا رفيقين حتى وفاة سارتر سنة 1980.

تأثير علاقة سيمون وسارتر على أدباء ومفكرين وعلى الكاتبات النسوانيات

كان لعلاقة سيمون وسارتر تأثير على العديد من الأدباء والمفكرين في القرن العشرين وما بعده. فشراكتهما الفريدة شكلت نموذجًا ملهمًا للشراكة الفكرية والعاطفية، وأثارت الكثير من النقاشات حول الحب، الحرية، والاستقلالية في العلاقات. وامتد تأثيرهما إلى مجالات الأدب، الفلسفة، مع ألبير كامو الذي كان قريبا من سارتر في البداية، وتأثر بمواقفه الفكرية، وإن كان خلافهما لاحقًا حول الفلسفة الوجودية والسياسة معروفًا. مع ذلك، كانت فكرة العلاقة المفتوحة والحرية الفردية بين سارتر ودو بوفوار مادة للتفكير عند كامو وعند ميشيل فوكو وغيوم أوبوليه وآخرون..

فيما أثر كتاب سيمون دو بوفوار “الجنس الآخر”، على الكاتبات النسوانيات، مثل بيتي فريدان وجوليا كريستيفا، إذ يعد نصًا محوريًا في النسوية الحديثة، استوحى كثيرًا من تجربتها الشخصية مع سارتر، سواء من خلال التعاون أو حتى التحديات التي واجهتها في تطبيق فلسفة الحرية على حياتها، حيث أظهرت علاقتها بسارتر، إمكانيات جديدة للمرأة في المزج بين الفكر والاستقلالية العاطفية.

خاتمة

توفي سارتر عام 1980 ودو بوفوار عام 1986، لكن إرث علاقتهما استمر. وأصبحت قصتهما رمزًا للشراكة الفكرية غير التقليدية، وللكفاح من أجل تحقيق الحرية الشخصية في إطار علاقة عاطفية. ويعكس إرثهما كيف يمكن للحب أن يكون مصدر إلهام للفكر والإبداع، حتى عندما يخرج عن النمط المعتاد.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا