انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

حلم كاد أن يبقى مؤجلا..

عفيف بناني هو عرابي في مجال الفن التشكيلي..

بقلم: فاطمة يهدي

بسمة نسائية/ أصواتهن

كلما خصصت وقتا لعمل يدوي لصنع شيء ما، أحس أنى اقترب من نفسي حد العناق.

مازلت استحضر لحظات من طفولتي وانا اصنع لدميتي البلاستيكية ملابس من الورق أو من أغلفة دفاتري أو من بقايا الاثواب التي كانت أمي تخيطها، او أصمم دفاتر صغيرة ملونة و بأشكال مختلفة من بقايا كراساتي القديمة، أو اصنع من حبات القرنفل عقودا بعد تركها لمدة في الماء قبل تجفيفها…لقد كانت بالنسبة لي لحظات صفاء يغمرها صمت جميل  ما زالت موسيقاه تنعشني  إلى اليوم  !

كانت أمي -حفظها الله- تعمل على تفقد محفظتي مساء كل يوم بحثا عن “صيدي اليومي”  لبعض الاشياء التي يلقيها الاخرون لتعيدها إلى القمامة (ورق الحلوى الملون-اقلام منتهية الصلاحية-اعواد البوظة -بعض الأحجار الصغيرة و غيرها) معاتبة اياي على ذلك…

لكنها لم تكن تدرك ان كل تلك الأشياء كانت بالنسبة لي المادة الأولية لمشروع ابداع ما، و كان علي أن اتحايل عليها لأتمكن من الاحتفاظ ببعضها على الأقل!

اذكر فيما اذكر تلك الدمى التي كنت اصنعها من الجوارب القديمة والتي احشوها بالقطن او الحلفاء بشعرها الأسود او الأصفر او البني و الذي كنت آخذه من اقلامي الملونة(les feutres)

كانت امي المسكينة تستاء من فعلي هذا وتضطر لابتياع أقلام أخرى-رغم ضيق الحال- كلما احتجتها في المدرسة، وما كان يشفع لي عندها اني كنت مجدة و متميزة في دراستي.

*****

كنت أحب الرسم و الألوان وكنت احلم بعلبة صباغة ملونة وقد كاد حلمي أن يتحقق في مرحلة الإعدادي في مادة الرسم، لكن الأستاذة المشرفة عليها -سامحها الله -طلبت منا ان نعطيها ثمنها على ان تحضر لنا نوعا جيدا منها، لكنها لم تفعل ذلك مطلقا…مر العام للأسف و ظل حلمي معلقا!

تبخر ثمن الصباغة و معه حلم مؤجل إلى حين !

وحقدت على الأستاذة وكدت أكره مادتها وصرت أمقت قلم الرصاص لأنه كان بطل حصتها بامتياز! نعم كرهته لأنه لم يكن ملونا ومعه صار حلمي مكسوا بلون الضباب!

تمر سنوات طويلة قبل أن اشتري و بسخاء لابني و ابنتي لوازم الرسم والصباغة تحفيزا لهما على الابداع و انتقاما لي من ظروف كانت أقوى مني!

كنا نقضي اوقاتا جميلة تنضم فيها إلى خربشاتنا العفوية أمي التي تهوى رسم أوراق النباتات و الطيور بشكل فطري.

****

سنة 2013، سألتقي لأول مرة بالفنان التشكيلي المبدع عفيف بناني في إحدى التظاهرات الثقافية بخريبكة لتوقيع مؤلفات جديدة في إطار نشاط موازي لفعاليات المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، كنت أنا وصديقتي الإعلامية والشاعرة زكية بلقاس قد أصدرنا للتو ديواننا المشترك “سمفونية الصمت”.

على المنصة، وجدت نفسي بجانب الهرم عفيف بناني الذي التقطت عيناه بعض خربشاتي على ورقة عذراء، فبادرني بالسؤال ان كنت انا من رسم؟

كانت هذه الالتفاتة منه بداية قصة صداقة جميلة تطورت مع الزمن. لقد كان حريصا على جري إلى عالم لم اجرؤ على طرق بابه .

ناقش معي لاحقا و مرارا ضرورة الانطلاق و عيش تجربة الرسم على القماش و بالفرشاة و الصباغة تماما كما يفعل هو و كما الكبار في عالم الفن التشكيلي.. وكنت اتردد.

مدني بكتابات عن المجال وبمعطيات عن تقنيات الابداع..

وذات يوم وانا أكرم بمدينة سلا كإذاعية وإعلامية وشاعرة، فاجأني صعوده إلى المنصة ليهديني إحدى لوحاته. كانت مفاجأة أكثر من رائعة!

و الأكيد أن الله وضع هذا المبدع المتألق في طريقي، استاذي عفيف بناني ليجرفني معه إلى عالم الألوان و الأشكال و الأضواء و الظلال الذي كنت اؤجل دوما دخوله !

يالله !كم انا محظوظة به!

****

سنة 2019 ، سيؤسس عفيف بناني بمعية ثلة متميزة من رموز التشكيل في بلادنا  تكتلا جمعويا للفن التشكيلي و سأجد نفسي عضوا به بل و سأقدم على خطوة جريئة  نتيجة لدعمه و تحفيزه ،و هي مشاركتي لأول مرة إلى جانب الكبار في معرض جماعي بمسرح محمد الخامس.

ورغم ان لوحتى الأولى لم تَرْقَ إلى ما اردته، لكن الإقدام على الخروج من قوقعتي كان بالنسبة لي حدثا كبيرا جدا لم يكن ليتحقق لولا الكبير عفيف بناني -حفظه الله!

لقد كان كريما معي ومازال، و لم يبخل علي يوما بمعلومة او نصح او ارشاد!

توالت مشاركاتي في المعارض التي يشرف على تنظيمها في إطار الهيئة الوطنية للفنانين التشكيليين و الفوتوغرافيين، وآخرها كان قبل أشهر قليلة بالرباط حيث شاركت في معرض جماعي بلوحة تمثل رقصة من تراثنا المغربي…و قد كان من شروط المشاركة، ضرورة عرض اللوحة و هي  على الحامل(le chevalier).اتصلت به و أخبرته اني لا اتوفر على المطلوب و أخبرته اني قد اتأخر في الوصول في الموعد إلى المعرض قبل ابتياع الحامل، لكنه بادرني بالقول انه سيهديني إياه! و بالفعل عندما اخذت اللوحة إلى المعرض،كان حاملها في انتظارها و عليه توقيع الفنان الكبير عفيف بناني وتاريخ إهدائه لي في  8 نونبر2023!

*****

عفيف بناني هو عرابي في مجال الفن التشكيلي الذي مازلت اتلمس فيه خطواتي الجنينية لصنع اسمي و اختيار مساري.انه داعمي الكبير في المجال و استاذي الروحي الذي جعلني أحقق حلما وَأَدَتْهُ يوما ما أستاذة مادة التربية التشكيلية و ظروف الفقر التي عشتها بعد وفاة ابي رحمه الله !

عفيف بناني الإنسان غمرني بكرمه وعطفه و جعلني اكتشف كم هو كبير و متواضع و معطاء و فاعل! انه دينامو الجمعية الذي لا يتراجع قبل تحقيق أهدافه.

انه ابي الروحي ومثلي الأعلى في الصمود والاصرار على العطاء! كيف لا وهو الذي لم يبدأ مساره الفني الا قبيل تقاعده بوقت وجيز!

لقد علمني درسا مهما في الحياة وهي ان التقدم في السن والتقاعد لا يعني النهاية بل بداية مرحلة جديدة في الحياة يمكن ان تكون مشرقة و مشرفة كما يعيشها هو نفسه المبدع العالمي عفيف بناني، أدام الله عليه نعمة الصحة و طول العمر، ليتحفنا بالمزيد من لوحاته الجميلة التي سأتحدث عنها في نص خاص مستقبلا.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا