ثريا الشاوي.. الملاك الطائر
"ثريا الشاوي" الشهيدة التي اغتيلت وهي تتهيأ للاحتفال بعيد الاستقلال
قائدة الطائرة وأيقونة النضال
ثريا الشاوي، اسم لامع وملهم في تاريخ المغرب الحديث، لامرأة اعتبرت ولازالت كرمز للشجاعة والتحدي في وجه القيود الاجتماعية والسياسية.
ثريا الشاوي واحدة من أوائل النساء العربيات اللواتي اقتحمن مجال الطيران، وهي أول طيارة مغربية وعربية تحصل على رخصة الطيران في سن مبكرة، مما جعلها أيقونة للمرأة المغربية الطموحة والمثابرة.
كانت ثريا الشاوي أكثر من مجرد طيارة، كانت مثالًا للمرأة التي تجمع بين الجرأة والإبداع والنضال. قصتها تظل شاهدة على قدرة المرأة على التفوق في أصعب الظروف، وعلى دورها الأساسي في تحقيق الحرية والتقدم.
الولادة والنشأة
ولدت الشهيدة ثريا الشاوي يوم 14 دجنبر 1937 بحومة القلقليين القديمة بمدينة فاس، وكانت ميالة للألعاب الميكانيكية عاشقة لتفكيكها بعيدا عن ألعاب الأطفال العادية، وبحسب من عاصرها، فقد كان حلم الطيران صعب المنال في ذاك الوقت، بل إن حتى النُّخب العصرية وقتها لم تكن مبهورة بعد بالتطور التكنولوجي الذي شهده العالم في تلك الفترة، ليصبح ركوب الطائرة وقيادتها من طرف ثريا الشاوي؛ تحدِّيا للسلطات الاستعمارية الذين كانوا يَروْن في جنسهم رمزا للتفوق؛ يفتح الباب على مصراعيه في وجه الفتاة المغربية أمام عالم التَّطور والتَّقدم ورفع الحيف عن نساء وفتيات المغرب.
بدعم من والدها، الصحافي والكاتب محمد الشاوي، استطاعت ثريا كسر الحواجز الاجتماعية والثقافية والانطلاق في تحقيق حلمها..
إنجازاتها في مجال الطيران
في سن 16 سنة، التحقت ثريا بمدرسة الطيران ب “تيط مليل” بالدار البيضاء، وحققت إنجازًا كبيرًا بحصولها على رخصة الطيران عام 1951. لتصبح بذلك أول امرأة مغربية وعربية تحقق هذا الإنجاز وتلقب ” الملاك الطائر
نضالها ودورها الوطني
لم يكن طريق ثريا سهلاً، فقد عاشت في فترة حاسمة من تاريخ المغرب، حيث كانت البلاد تحت وطأة الاستعمار الفرنسي. لم يقتصر دورها على الطيران، بل أصبحت رمزًا للنضال الوطني، مما جعلها مستهدفة من القوى الاستعمارية التي كانت ترى في نجاحها خطرًا على النظام القائم
“الشهيدة ثريا الشاوي” في كتاب عبد الحق المريني
أَرَّخ الأستاذ عبد الحق المريني مؤرخ المملكة والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، عبر كتابه « الشهيدة ثريا الشاوي، أول طيارة بالمغرب الكبير » الذي أصدرته مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث، يوم 18 يونيو 2009؛ للحظة المميزة في حياة ثريا بالقول” بعد مُضيِّ أربعة أشهر من التداريب، عزمت المرحومة أن تتقدم لخوض معركة الامتحان، للإحراز على شهادة الكفاءة في الطيران، لكنها وجدت عراقيل نُصبَت في طريقها لتَعوقَها عن أخذ هذه الشهادة، فبعد إلحاحات، وتسويفات، ومناورات، سمح أبوها لنفسه أن يلتزم بالمصاريف، وقيمة الطائرة، ويتحمل مسؤولية حياة ابنته ليأذن لها في نيل الشهادة.
ومن القوانين التي كانت متبعة أن لجنة الامتحان، كانت تؤجله حينما كان يبدو الجو مُكفهرا، ويملأ الضباب أرجاء الأفق، ومن سوء الحظ كان يوم إجراء الامتحان يوما مكفهر المُحيَّى، ولم تؤجل اللجنة كعادتها، بل أمرتها بالخوض في المعركة فكان النجاح حليفها؛ فبهرت عقل اللجنة خصوصا لما حلَّقَت على علو 3000 متر وقطعت مسافة على شكل دائرة محيطها 40 كيلو مترا”. ويضيف المريني “لما وصلت إلى وسط المطار أسكتت المحرك، ونزلت بدونه إلى المكان الذي كانت فيه لجنة التحكيم تنتظر، والتي كانت متيقنة برسوبها التام. ولكن خاب الظن ولم يقدر رئيس اللجنة مدير المطار المدني، أن يملك شعوره، بل ذهب إلى ثريا قبل أن تنزل إلى البسيطة، وحملها على ذراعيه إعجابا وتقديرا، حتى وصل بها إلى القاعة التي ستؤدي فيها ثريا الامتحان الشفوي”..
ترحيب بعودة محمد الخامس
ذات الاستعمار الذي أغاظته الشهيدة بتحليقها بطائرتها ذات المحرك الواحد، فوق موكب محمد الخامس من مطار الرباط سلا، يوم عودته من منفاه السحيق إلى وطنه العزيز سنة 1955، حيث كانت تُحلِّق على علو مُنخفض، وتُلقي من طائرتها بأوراق ملونة للمشاركة من الجو، في الترحيب بعودته إلى أرض الوطن..
محاولات اغتيال متكررة
تعرضت ثريا الشاوي إلى محاولات متكررة للاغتيال لكنها باءت بالفشل، وحسب كتاب عبد الحق المريني دائما، فقد قُدِّرت بأربع محاولات، أولها كان في أوائل نونبر 1954، حيث وضعت مجموعة إرهابية فرنسية قنبلة بباب الفيلا التي كانت تسكنها، بشارع أليسكاندر مالي، ما ألحق بها خسائر جسيمة، لكن دون أن يصاب أحد، والثانية في أواخر دجنبر، بعدما أدخلت سيارتها إلى المرآب برفقة والدها، واتجها إلى منزلهما الكائن بين طريق “بيرجوراك” وطريق “تميرال”، فأطلقت عليها ثماني طلقات من رشاشة أوتوماتيكية، ولحسن حظهما لم يصابا بأي أذى، وفي غشت 1955، حاول شرطيان فرنسيان إطلاق النار عليها وهي بداخل سيارتها صحبة والدتها، لكن احتشاد الناس حولهما حال دون إصابتهما، وفي شتنبر 1955 أوقفها شرطيان وهي على متن سيارتها ، وأمراها بأن تحملهما إلى المكان الذي يريدانه، وعندما امتنعت واحتشد الناس حولهم، اتهماها بمخالفة قانون السير ، ليتم إخلاء سبيلها مباشرة..
استشهاد الملاك الطائر
لكن، في 1 مارس 1956، قُتلت ثريا الشاوي في حادثة غامضة أُطلق فيها النار عليها بالقرب من منزلها بالدار البيضاء.
امتدت إليها أيادي الغدر من جديد وأردتها قتيلة خلال أول أيام شهر مارس 1956 في ظروف يكتنفها اللبس والغموض، عندما كانت تتهيأ مبتهجة للمشاركة في حفل استقلال البلاد.
كان اغتيالها خسارة كبيرة للمغرب وللحركة الوطنية. وتشير الروايات إلى أن الاستعمار الفرنسي كان وراء اغتيالها لإسكات صوتها وإطفاء شعلتها الملهمة..
متى نرى مطارا باسم ثريا الشاوي؟
رغم ما يمثله اسم ثريا الشاوي من رمزية في التميز والتحدي والتفوق والنضال والوطنية، لازال مطلب وضع اسمها على أحد مطارات الوطن، يراوح مكانه. وقد نتساءل لماذا هذه الفكرة لم تنفذ بعد، رغم الدعوات المتكررة من العديد من المغاربة والنشطاء لتكريمها بشكل يليق بها وباسمها.
فإطلاق اسمها على مطار سيكون خطوة رمزية كبيرة لتكريم أول طيارة مغربية وعربية، ولتعزيز الوعي بتاريخ النساء الرائدات في المغرب. مثل هذا التكريم من شأنه أن يخلد ذكرى ثريا الشاوي ويعزز مكانتها كقدوة للأجيال القادمة.
فيلم عن حياتها
نقلا عن خبر نشر بموقع ،SNRTNEWS، فقد أعلن المخرج المغربي ربيع الجوهري، أنه تمكن من تجاوز الصعوبات التي واجهته وعطلت مشروعه وحالت دون تنفيذ فيلمه عن حياة ثريا الشاوي لسنوات، معلنا بأن الفيلم سيرى النور قريبا وقد يعرض في القاعات شهر أبريل المقبل، مشيرا إلى أنه يعتبره عملا استثنائيا من خلال إحياء شخصية ملهمة ظلت في ذاكرة المغاربة رمزاً للشجاعة والطموح والنضال من أجل الحرية والاستقلال.
*صورة لثريا الشاوي والممثلة آسية بوحروز التي تقدم دورها في فيلم المخرج ربيع الجوهري