انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
اصواتهن

 إنهم مغاربة الخارج يا سادة!

رسائل تأخرت عن موعدها

بسمة نسائية/ أصواتهن

بقلم: زكية حادوش

منذ أسبوع استمعت للخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، وبما أنني أنتمي لما يسمى ببعض المشاكسة “جيل المسيرة”، تمعنت في هذا الخطاب ووجدت نفسي مستمتعة به. لا غرابة، لأن هذا النوع من الخطابات (ما قل ودل) هو ما كنا نصبو إليه منذ زمان، فوقت الخطب الماراثونية انتهى بوفاة القذافي وفيديل كاسترو رحمهما الله.

باقتضاب عبَّر الخطاب الملكي الأخير، في مقدمته، عن موقف المملكة الثابت بخصوص قضية الصحراء المغربية، وذكر من جديد بأن “الشراكات والالتزامات القانونية للمغرب، لن تكون أبدا على حساب وحدته الترابية، وسيادته الوطنية.” جميل جدا، وأنا متيقنة أننا كمغاربة غير مستعدين، ولو بعد قرن، للتخلي عن صحرائنا لأنها ببساطة كلفتنا الكثير من تضحيات اقتطعت من وقتنا كشعب، من دمنا، من ديموقراطيتنا ومن تنميتنا.

ثم عرج الخطاب على “روح الوطنية التي يتحلى بها المغاربة المقيمون بالخارج، وبالتزامهم بالدفاع عن مقدسات الوطن، والمساهمة في تنميته”، ودون إغراق في اللغة الماضوية المنمقة بكلمات وعبارات لا يفهمها سوى جهابذة الفصحى، وهم أقلية في هذا البلد، مر مباشرة إلى اقتراحات إجرائية تهم “مغاربة الخارج”. أهم هاته المقترحات هي إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بالجالية المغربية. وما فهمته شخصيا، ودون الخوض في إشكالية تداخل الاختصاصات الذي هدر ويهدر الكثير من الفرص التنموية على مؤسساتنا وبالتالي على بلادنا، هو أن مجلس الجالية المغربية بالخارج، الموجود كمؤسسة دستورية مستقلة بموجب دستور 2011، ستتم إعادة هيكلته بإخراج قانونه الجديد إلى حيز التطبيق، وستحدد اختصاصاته باعتباره قوة اقتراحية و “خزانا للأفكار” (Think tank).

علاوة على ذلك، ستحدث هيئة خاصة تسمى “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، التي ستشكل الجهاز التنفيذي للسياسات العمومية في هذا المجال، كما ستتكفل بتدبير “الآلية الوطنية لتعبئة كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج”. كل هذا واضح، كما هو واضح أيضا أن هذه المقترحات جاءت لمعالجة اختلالات قائمة في تعامل الدولة منذ عقود مع “مغاربة الخارج”.

باختصار، وحسب رأيي المتواضع حتى وإن لم يطلبه مني أحد، استسمح القراء في ثلاثة دقائق من وقتهم: منذ الجيل الأول من المهاجرين الذين استقطبتهم “القوى الاستعمارية” لتستخدمهم “لحم مدافع” في الحرب العالمية الثانية، وحروب الحرب الباردة، أو كيد عاملة رخيصة تقوم بأعمال يتعذر على مواطنيها القيام بها، ثم كمواطنين من الجيل الثاني والثالث لقلب هرمها السكاني وضخ دماء جديدة في بنيتها التحتية والفوقية…منذ ذلك الوقت، والمغرب يحاول التعامل مع معطى “مواطنيه الأجانب”، أجيالا متلاحقة من المهاجرين، في فرنسا وإسبانيا وأوروبا أساسا ثم عبر العالم، وكذا جالية أخرى علينا أن لا ننساها وهي المغاربة اليهود الذين غررت بهم “الصهيونية العالمية” للهجرة إلى أرض غير أرضهم…علما أن المملكة قررت أن الجنسية المغربية غير قابلة للإسقاط.

لا يمكننا القول إن ذلك التعامل كان حكيما منذ البداية، لأن السياسات العمومية تنبني دائما على استراتيجيات واضحة وعلى مشروع مجتمعي غير ملتبس، يحظى بالإجماع أو على الأقل بدعم أغلبية قوى الشعب. وبما أننا ما زلنا نتساءل منذ “استقلالنا” عن ماهية هذا المشروع، ظل التعامل مع “مغاربة الخارج” يخضع لمقاربات مناسباتية وانتقائية، إن لم أقل عشوائية (وهذا الكلام يلزمني أنا فقط). تلك المقاربات لم تخرج عن نطاق “الاحتواء”، سواء عبر الآلية “العَقَدية” أو “الأمنية” أو حتى باستخدام أدوات “الاتصال”، وليس التواصل، المتاحة…وأخيرا عبر “مؤسسات” غير منسجمة داخليا وغير منسقة في عملها سواء داخل الوطن أو خارجه.

المهم، أن جزءا كبيرا من المقاربة الرسمية تأسس على “كليشيهات” أو صور نمطية ترى في المقيمين المغاربة في الخارج إما “حصالة” عملة صعبة يفضل أن تبقى حيث هي ولا تعود لتمضي ما تبقى من عمرها “الشقي” في منزل الآجر والاسمنت التي بنته “طوبة طوبة” هنا، وإما “لاعبين ولاعبات” نحتاجهم بين الفينة والأخرى “ليحمروا لنا الوجه” أمام العالم، وإما “مخبرين” يخبروننا عن إخواننا وأخواتنا حيث يتواجدون، وإما “كصعاليك” تشتكيهم إلينا الدولة التي ربتهم …

الآن أبانت هذه المقاربة عن فشلها لأن إطارها المرجعي محدود ومحدد بصور نمطية وليس بدراسات علمية سكانية واجتماعية وجيوسياسية، بل وحتى سيكولوجية قبلية لأي تخطيط استراتيجي يهم “مغاربة الخارج”. فهذه الفئة “المستهدفة” تطورت عبر أجيال من الاستقرار في الدول المستقبلة، والروابط التي تربطها بالمغرب عرفت تحولات شتى.

هذا المعطى مهم لنفهم أن أي مشروع يستهدف الجالية ينبغي أن يأخذ بالاعتبار أن “مغاربة الخارج” ليسوا يدا عاملة فقط، ولا محصلة نقود ولا عملاء من الدرجة الثانية فحسب، ولا خونة (كما صار بعض خونة الوطن الداخليين يلوكون هذه الأيام). مغاربة الخارج أدمغة كذلك، وقوة اقتراح وضغط، وكفاءات وصلت في المهجر إلى ما هو مستحيل أن تصله هاهنا. هذا طبيعي، إذا نظرنا إلى الموضوع بكل موضوعية ومن زاوية أن “المصعد الاجتماعي” في أغلبية الدول التي يقيمون بها، رغم صعوبة تسلقه، موجود أصلا، وليس سلما مكسورا مركونا على جنب بفعل “باك صاحبي”.

مغاربة الخارج، حتى “الصعاليك” منهم، محسوبون علينا، شئنا أن أبينا. ليس لأنهم يحملون الجنسية المغربية فحسب، ولكن أيضا لأن غالبيتهم لم يتخلصوا من “تمغربيت” ولو بتوالي الأجيال. تلك الهوية التي تجعلهم “مميزين” أينما كانوا ومهما فعلوا، ولا أدل على ذلك من ردود الفعل “الهاشتاغية” على ما قام به بعض “فتياننا” في قلب العاصمة الهولندية أمستردام من “علقات تأديبية” لهوليغانز فريق كروي من “تل أبيب”.

في تعامل الدولة مع هؤلاء، ليس من العقل رؤيتهم كأعباء ثقيلة، أو “صعاليك” يقلقون راحة الدول التي ازدادوا وترعرعوا فيها، ولا كأدوات تستخدم عند الحاجة كلوبي أو “طابور خامس” ثم يتنكر لها، ولا كمنافسين “لحكومة الكفاءات” (يا ليل يا عين!)؛ والأدهى كعقلية ونفسية طيعة ضمن “سيكولوجية الإنسان المقهور”. إذ أن “ذكاء المغاربة” في الاختلاف والتنوع والتميز وليس في السعي إلى إلحاق الضرر بالآخر دون داعٍ ودون استفادة، فهذه قمة الغباء.

لا شك أن تحصين المجتمعات المغربية في الداخل والخارج (لاحظوا أني لم أقل “المجتمع” عن قصد) من الغباء يبدأ بمناخ الحرية الذي يرسخ الفكر النقدي منذ الصغر، وبالإنصاف وتكافؤ الفرص المبنيين على ثقافة الاستحقاق، وكذا ضمان الكرامة للجميع. قد لا يعجب رأيي الكثير، لكن لا بد من القول إن الكرامة مطاطية وهي تتمدد حسب البلد الذي نقطنه، ولا مجال للمقارنة بين “الحدود الدنيا للآدمية” والكرامة الإنسانية…كرامة المواطنة والحقوق الأساسية في العيش والسكن والتربية والصحة والأمن، وحقوق وحريات الجيل الثاني وما فوقها!

 

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا