انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

 فيلم”التدريب الأخير” تحفة سينمائية مغربية..

بسمة نسائية/ ثقافة وفنون

بقلم:الناقد فؤاد زويريق

 

لايمكنك إلا أن تقف وتصفق لأي عمل سينمائي خلق داخلك الدهشة، وجعلك تستمتع بالإبداع الحقيقي من بدايته إلى نهايته، وخصوصا إذا كان مغربيا، وهذا ما نتمناه دائما، ونصرخ من أجله، وإذا ما وجدنا فيه نقطة ضوء ولو ضئيلة قد تمنحنا القليل من الأمل، مدحناه وشجعناه، فنحن لا نطمع بالكثير، القليل فقط يسعدنا ويفرحنا، فما بالك إذا ما فاجأنا فيلم متكامل اجتمعت فيه كل عناصر الإبداع، من سيناريو، وإخراج، وتشخيص، وتصوير، وموسيقى… وهذا ما حدث فعلا، فقد اجتمعت كل هذه العناصر بشكل أنيق ومبدع واحترافي  لتهدينا في الأخير تحفة سينمائية اسمها “التدريب الأخير” للمخرج ياسين فنان وهو فنان بجد، لا أجامل ولا أحسن رمي الورود، ولن أبالغ إذا قلت بأنه فعلا تحفة مغربية بالنظر للكثير من العوامل، منها ظروف الاشتغال ببلادنا، والبيئة الفنية التي ننتمي إليها، وعالمنا السينمائي الذي يعرفه كل من اقترب منه واكتوى بناره… لنضع النقط على الحروف، ونعترف دون خجل، فإذا ما قارنا هذا العمل بأغلب الأعمال المغربية المنتجة منذ سنين فهو بحق تحفة، وتستحق منا كل المدح والثناء… يبدو أنني أطلتُ في مدحه، وهذا قصدي ومبتغاي، فلست هنا بصدد تقديم ورقة نقدية أو تحليلية للعمل، فلنعتبر ما قدمته وسأقدمه هنا بمثابة إعلان أو بيان سعادة، فنادرا ما أصادف شخصيا عملا سينمائيا مغربيا بهذا العمق الفني، فالأعمال الجادة التي نلمس فيها اجتهادا، ولا تستحمرنا كجمهور، نمدحها ونصفق لصناعها وهذا حقهم علينا، والأعمال الفاشلة التي تستغبينا، نبصق عليها ونحتقر أصحابها وهذا حقهم علينا أيضا.

تعتبر تيمة فيلم “التدريب الأخير” وكيفية معالجتها غير كلاسيكية بالمرة، فهي  تيمة بنكهة جديدة في سينمانا، وأنا هنا أتكلم في إطار محلي محض، لكن عالميا فقد تناولتها بالتفكيك الكثير من الأعمال منذ بداية السينما الى الآن، التيمة التي أتكلم عنها هنا باختصار تتمحور حول توظيف المسرح بعوالمه وعناصره في السينما، طبعا مع خلق خيوط درامية تتحكم في هذا التوظيف وتجعله قابلا للهضم السينمائي، كفيلم ”ليلة الافتتاح” لجون كاسافيتز، و”المترو الأخير” لفرانسوا تروفو، و”بعد التمرين” لإنغمار برغمان… وغيرها من أعمال اتخذت من المسرح تيمة وفضاء لأحداثها، فيلم “التدريب الأخير” تناول أيضا المسرح بنفس الأسلوب، لكن بمذاق مغربي جميل، حيث اعتمد على نص جان جينيه ”الخادمتان” الذي اشتغل عليه الكثير من المسرحيين وعرض منذ كتابته في الكثير من مسارح العالم، اعتماده على النص هو بمثابة تفسير وشرح لما يحدث فوق الركح وخلفه وأمام الكاميرا، إذ تجد نفسك من البداية طرفا متورطا في بحر من الحالات النفسية المعقدة، حالات تنبئك بعواصف رهيبة من التجاذبات والصراعات الانسانية المكبوتة في دواخل الشخصيات، جان جنيه تعمق في الذات البشرية وسبَح بين مفرداتها المتشعبة من خلال نصه هذا، وصناع هذا الفيلم استخرجوا عصارته وسكبوها إبداعا أمام الكاميرا، مخاطبين الجمهور بصرخات متتالية تُشَرّح مكامن الحرية والعبودية على حد سواء داخل الانسان.

الفيلم هو نموذج جيد للتعاون المشترك بين المخرج والسيناريست والممثل والمصور… فبمجرد انني عرفت ان مدير التصوير هو عادل أيوب أدركت أنني سأستمتع بعمق التصوير القادر على الإحاطة بشكل استثنائي بالحالة النفسية والجسدية للشخصية، خصوصا أننا أمام فيلم كل مشاهده داخلية تقريبا، ومحوره الأساسي والرئيسي هو الممثل، فكأنك أمام عرض مسرحي، حيث لا كلمة تعلو فوق كلمة الممثل الماثل أمامك، وهذا ما جعلنا نستمتع في القليل من المرات بتشخيص أكثر من رائع شارك فيه كل الممثلين دون استثناء كعبد الإله عاجل الذي لم أجده يوما في السينما بهذا التألق، وكذا حسناء طمطاوي، وجميلة الهوني، وجمال العبابسي، وهند بلعولة، وبثينة اليعقوبي… كلهم كانوا رائعين وشكلوا نواة هذا العمل، أما نبيل المنصوري الذي فاجأني شخصيا فقد أدى دورا مركبا صعبا، فأن تلبس شخصية تفرض عليك تغيير حالتك السيكولوجية في كل مشهد من المشاهد بما يترتب عليها من تغيير في نبرة الصوت، والمشاعر، والتعابير، والملامح، والحركات… ليس أمرا هينا، رغم أن هذا يدخل ضمن وظيفة الممثل، خصوصا في عرضه الختامي فوق الخشبة ، نبيل المنصوري اجتهد في هذا العمل وتألق فيه بشكل استثنائي ويستحق منا كل التقدير على مجهوداته في الكتابة والتشخيص.

الفيلم رغم محدودية فضائه وأحداثه لكنه خلق لنفسه إيقاعا سريعا وتخلص بذكاء من فخ الملل والتمطيط، اعتمادا على السيناريو المتقن، والمونطاج الاحترافي والمدروس بعناية، واسلوب التصوير، والمعالجة الاخراجية التي تفنن فيها ياسين فنان، ففي كل مشهد تلمس بصمته واضحة ومواكبة لسيرورة البناء الدرامي وكذا التشخيص، وهذا طبعا يحسب له ويحسب لكل من ساهم في إنجاز هذه التحفة الجميلة، الفيلم يستحق منا أكثر من مجرد رأي انطباعي أو بيان سعادة كما قلتُ، فهو يستحق وقفة تحليلية تتماشى مع عمقه الإبداعي، وهذا ما سنفعله لاحقا.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا