25 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس
ربع قرن من الاهتمام بقضايا النساء في المغرب
بسمة نسائية/ أصواتهن
*كريمة رشدي
يحتفل المغرب اليوم، 30 يوليوز 2024، بمرور ربع قرن من حكم جلالة الملك محمد السادس، وهي فترة تميزت بتحول عميق في وضعية النساء في المملكة. بإرادة من جلالة الملك، ساهمت العديد من المبادرات والإصلاحات في تطور وتنمية المرأة المغربية، الشيء الذي بوأ المغرب مكانة رائدة إقليمياً في مجال حقوق النساء.
منذ اعتلائه العرش في سنة 1999، جعل جلالة الملك محمد السادس من إصلاح وضعية النساء أحد أعمدة رؤيته لمغرب حداثي تسود فيه المساواة بين الجنسين. وقد ترجمت هذه الرؤية إلى إجراءات ملموسة وإصلاحات جريئة غيرت بشكل عميق وضعية النساء في المغرب.
ثورة قانونية
كانت الإصلاحات القانونية في صميم هذا التحول، بدأ بتعديل مدونة الأسرة سنة 2004، والتي اعتُبرت خطوة رئيسية في العالم العربي والإسلامي. تبع ذلك إصلاحات أخرى، مثل إصلاح قانون الجنسية سنة 2007، الذي يسمح للمرأة المغربية بنقل جنسيتها إلى أطفالها، كما أظهر رفع التحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في 2011 التزام البلاد بالمعايير الدولية لحقوق النساء.
اليوم، يأتي مشروع جديد لإعادة صياغة المدونة، أعلن عنه جلالة الملك في خطاب العرش في يوليوز 2023، في إطار استمرار هذه الديناميكية الإصلاحية. يهدف هذا المشروع الطموح إلى تكييف قانون الأسرة مع الواقع الاجتماعي الحالي والالتزامات الدولية للمغرب.
حضور متزايد للنساء في السياسة
شهد التمثيل السياسي للنساء تحسنا ملحوظاً منذ سنة 1999. وأدى تبني نظام “الكوطا” البرلمانية إلى زيادة عدد المقاعد المخصصة للنساء، إذ ارتفع عددها من 30 مقعدا في 2002 إلى 90 مقعدا في 2021، وشهد عدد النائبات البرلمانيات تزايدا كبيرا، من اثنتين في سنة 1997 إلى 96 سنة 2021، أي 24% من المقاعد.
على المستوى الحكومي، تعزز الحضور النسائي أيضا، بتعيين 7 وزيرات من أصل 24 وزيرا في حكومة 2021. على المستوى المحلي، تطورت تمثيلية النساء بشكل كبير، حيث بلغت نسبة النساء المنتخبات في الانتخابات البلدية لسنة 2021 26%، مقارنة بـ 0.56% فقط في سنة 2003.
التعليم: مساواة فعلية
شهد مجال التعليم تقدما ملحوظا، إذ ارتفع معدل تمدرس الفتيات بالتعليم الابتدائي من 84% في سنة 2000 إلى ما يقارب 100% في سنة 2020، وهو تطور ملحوظ بشكل خاص في المناطق القروية حيث يتم بذل مجهودات جبارة من أجل تعليم الفتيات.
كما شهد التعليم العالي زيادة كبيرة في عدد الطالبات. حيث تمثل النساء أكثر من نصف عدد الطلبة الجامعيين في العديد من التخصصات، بما في ذلك المجالات التي كانت تقليديا خاصة بالذكور مثل الهندسة والعلوم.
التشغيل وريادة الأعمال: تطور وتحديات
رغم الجهود المبذولة، انخفض معدل نشاط النساء من 28.1% في سنة 2000 إلى 19% في سنة 2023، وهو رقم أقل بكثير من معدل نشاط الرجال (69% في سنة 2023)، للحد من هذا الخلل، وضع المغرب هدفا طموحا كي يبلغ معدل النساء النشيطات 45% بحلول سنة 2035 في إطار النموذج التنموي الجديد.
من جهة أخرى، تشهد ريادة الأعمال النسائية ديناميكية متزايدة، فوفقا لأحدث تقرير للمرصد المغربي للمقاولات الصغيرة جدا والمتوسطة، وصلت نسبة الشركات في المغرب تديرها نساء 16.2% في سنة 2021.
كما أن هناك العديد من المبادرات لتعزيز ريادة الأعمال النسائية، مثل العمل على الوصول إلى التمويل، وبرامج التكوين والتوجيه، كما فتح تطوير نظام الشركات الناشئة في المغرب آفاقاً جديدة لرائدات الأعمال، خاصة في مجال التكنولوجيا والابتكار.
صحة النساء ضمن أولويات السياسات العمومية
شكلت صحة النساء أولوية وطنية في عهد جلالة الملك محمد السادس، إذ تحققت نتائج ملموسة، مثل انخفاض عدد وفيات الأمهات من 227 لكل 100.000 ولادة حية في سنة 2000 إلى 72.6 سنة 2018، حسب أرقام وزارة الصحة العمومية، كما تم إحراز تقدم كبير في الوصول إلى الرعاية الصحية قبل الولادة، وزيادة معدل الولادات التي تتم بمساعدة مهنيين مؤهلين، إضافة إلى تعزيز الكشف المبكر عن السرطانات التي تصيب النساء. ورغم كل هذه المجهودات، لا تزال هناك تحديات، خاصة فيما يخص الوصول إلى الرعاية الصحية بين المناطق الحضرية والقروية.
مناهضة العنف ضد النساء
شهدت مكافحة العنف ضد النساء تقدما كبيرا، حيث شكل إقرار القانون 103-13 في سنة 2018 خطوة حاسمة في تجريم معظم أشكال العنف وتعزيز آليات حماية الضحايا.
كما ارتفع عدد مراكز الاستماع والإيواء للنساء ضحايا العنف، وعدد حملات توعية على المستوى الوطني. كما سمح إنشاء المرصد الوطني للعنف ضد النساء بتوثيق وتحليل هذه الظاهرة بشكل أفضل.
استمرار التحديات وآفاق المستقبل
على الرغم من هذه التطورات، لا تزال هناك تحديات، من أهمها التنفيذ الفعال للإصلاحات، وتطور العقليات تجاه بعض التغيرات المجتمعية، كما تبقى المساواة الاقتصادية بين الرجال والنساء بعيدة المنال، خاصة في ولوج سوق الشغل والمساواة في الأجور.
رغم من استمرار وجود عقبات، فإن ربع قرن من حكم جلالة الملك محمد السادس يعد بلا شك عصرا من التقدم غير المسبوق لحقوق النساء في المغرب، حيث ساهمت الإصلاحات القانونية، وتحسين المشاركة السياسية، والتقدم في مجالي التعليم والصحة، والجهود المبذولة لتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة، في تغيير وضع المرأة في المملكة بشكل عميق، وتشهد التحديات المتبقية على الحاجة إلى مواصلة الجهود من أجل المساواة الكاملة والفعالة.