انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

المونديال .. تمغربيت ..كَّا   وَلاَّ   ما كَّا..

اتاي الأحد

بسمة نسائية/ منبر بسمة

بقلم: عبد الرفيع حمضي

كم سيكون اجمل عندما سيطلق وبدون تأخر، مجهود موازي في الإنسان في الثقافة في القيم في الحكامة، وهو مجهود لا يقل أهمية عن الإسمنت..

كنت اعتقد ان المقهى الوحيدة التي لا تقدم أتاي المغربي كأسا أو برادا، هي تلك المنزوية بشارع علال بن عبد الله بالعاصمة. وكان كلما جالسني ضيف بهذه المقهى، وأراد احتساء (أتاي) الأخضر المغربي، إلا واعتذر له نادل المقهى بأدب، فنشرع في مناقشة ،قد تطول، حتى أنه شاع بين الزبناء أن صاحب المقهى  شامي الأصل ومقيم ببلادنا منذ زمان، وليست له أية علاقة وجدانية مع هذا المشروب السحري الذي هو أكبر من ماء مغلي وأتاي حبوب أو شعرة ونعناع وسكر في براد.

أتاي هو نخوة اجماع المغاربة محتاجهم قبل ثريهم. لكن شاءت الظروف في بحر هذا الأسبوع بالمدينة الحمراء، وبالضبط وسط “كليز” الحي الذي صمم بأمر من المارشال  ليوطي  .فوجدت نفسي بمقهى متواضعة  ،منغمس في قراءة رواية أهدتها لي “مها” ابنتي le Mage  du Kremlin  .وبالطاولة,المجاورة كان مجموعة من الذكور يتحدثون بصوت  عال  في العقار و النساء والمونديال .

هذا الكأس المحير لشعوب العالم وحكامهم، كانت أولى دوراته سنة 1930 ونحن الان على ابواب المئة سنة، وبقدر ما في الأمر من تشريف لبلادنا فهي أيضا مسؤولية تتطلب التفاتة خاصة بهذه المناسبة.

وللتاريخ فإن أول بلد منظم للمونديال، لم يكن حينها من كبار العالم، بل بلد من امريكا الجنوبية “الأورغواي” لا تتجاوز مساحته 176215 كلم2. وقد تعرضت الفيفا أنذاك لضغوطات من إيطاليا وهولندا وإسبانيا والسويد الذين رفضوا المشاركة، لكن الأورغواي، نظمت وفازت بالكأس، بعدما هزمت جارتها الأرجنتين. وعادت وفازت سنة 1950 على البرازيل، أبطال رقصة السامبا. وقد عُرفت المباراة في ما بعد باسم ( ماراكانا زو ) اليوم الأسود  للبلد المضيف. بعدما تابع المباراة أكثر من 200 ألف متفرج. ومنذ ذلك التاريخ قررت البرازيل تغيير القميص الأبيض مصدر الشؤم وتعويضه بالأصفر والسروال الأزرق.

كأس العالم ينظم كل أربع سنوات لم يتوقف إلا في دورتي  1942 و1946  إبان  الحربين العالميتين.

كأس العالم كذلك مناسبة تجني وراءها الفيفا، ملايير الدولارات، ليبقى للبلد المنظم إما  اقتناص الفرصة والانطلاق إلى افق تنموي، أو الاحتفاظ بالذكرى فقط مع متلازمة العصر الذهبي le syndrome de l’âge d’or.

مع الاشارة أن مجرد الترشح لاحتضان هذه الملحمة الكروية، تضع البلد المعني تحت مجهر التقييم السياسي والحقوقي والمالي والاقتصادي والاجتماعي، قبل البنيات التحتية. وكلنا تابعنا الضغوطات التي تعرضت لها روسيا -بوتين في 2018. وأجواء تحضيرات دورة قطر 2022.

وتشترط الفيفا تضمين ملف الترشيح، تقرير مستقل تعده جهة محايدة، ومشهود لها بذلك. عن حالة حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى البيئية بالبلد المترشح.

تصاعدت الأصوات الذكورية بالطاولة المجاورة، واحتد النقاش حول كأس العالم 2030 والتنظيم المشترك لهذا العرس العالمي، ولم يكن نقاشا على إيقاع واحد. تساءل شاب  عن الجدوى من الترشيح؟ وهل هو أولويتنا كبلد لا زال سائرا في طريق النمو؟ واستشهد بكلام نسبه للعالم مهدي المنجرة عندما قال” إن الشعوب المتخلفة ترى في كرة القدم كل شيء وهي في الأصل لا شيء”، مجرد لعبة ليست من بنود التطور أو مؤشرات التنمية البشرية المعروفة والمحددة من طرف الأمم المتحدة كالتعليم والصحة والدخل الفردي ومستوى عيش السكان.

هذا الكلام تصدى له ذَكَرُ آخر، أكبر سنا، فوضع تنظيم المونديال في سياقه العام، وكونه فرصة، تمنح للدول بسياحها وحجم إعلامها ومستشهريها وعيون مستثمريها. وعلى البلد المنظم، إما انتهاز الفرصة وتحويلها إلى استراتيجية للمستقبل وإما (مشا علي القطار ).عوض  J’ai raté raté le train وبالتالي فالخلل في البلد المنظم وليس في  المونديال

يبدو أن كلامه نفذ للعمق فالكل كان يستمع بتمعن وصمت. ولا تسمع إلا صوت موسيقى أتاي  وهو ينزل من البراد.

وجدتني أحلل ما سمعته عن المشاريع الكبرى التي أطلقت استعدادا للمونديال وقبله الكاف.مسار جديد للقطار السريع، ملاعب لكرة القدم، تأهيل للمدن المحتضنة، تجديد أسطول الطائرات، توسيع بعض المطارات….والخير أمام بدون شك..

فكم هو جميل بلدي وهو يقوم بهذا المجهود الاستثنائي في مواد البناء (السيما والحديد )  العمران !!! وكم سيكون اجمل عندما سيطلق وبدون تأخر، مجهود موازي في الإنسان في الثقافة في القيم في الحكامة، وهو مجهود لا يقل أهمية عن الإسمنت..

فالإنسان المغربي هو الذي سيخلق التميز. فتأهيل البنية التحتية مطلوب وضروري، لكننا لن تتميز على قطر بإمكانياتها الهائلة. وروسيا بتاريخها وقوتها، وبنيتها التي شيدتها منذ ثورة 1917. ولا على الولايات المتحدة الأمريكية غدا.

لكن، ممكن أن نتميز بجودة مواردنا البشرية إذا انخرطنا في اعدادها منذ الآن في السياحة في المدارس في الشارع العام بتحسيس الجميع بأهمية حسن استقبال الضيوف وقبول الاختلاف في اللون والمعتقد وتوسيع مجال التعايش والتسامح وأهمية الالتزام بتقديم الخدمات بدون غش من المطار إلى البزار مرورا بالطاكسي والمطعم والفندق.

اعتقد، أن تمغربيت كقيمة مجتمعية وأسلوب حياة، يمكن أن تكون وصفة للتعبئة حول هذا المشروع المجتمعي، وهذا يقتضي إشراك الجميع كل من موقعه في ابداع الافكار وابتكار المبادرات وتقاسمها، حتى يشعر كل مغربي أنه هو المحتضن لكأس العالم في بيته ومع أهله، لا الدولة فقط باعتبارها (الآخر) المنفصل عن المجتمع. وبالتالي فإما أننا سنجعل من المونديال عرسا مغربيا تقليديا ( كل واحد كيعطي يد الله) أو نجعله(سيتكوم ) رمضان نتابعه عبر الشاشة الصغيرة وننتقده في السر والعلن.

جرفني التفكير وأنا الذي ليس بيني وبين كرة القدم إلا فريق أولمبيك وزان.

صاح كبير المائدة ابتداء اليوم، هذه هي المقهى التي سنلتقي فيها..

‎أما الفرنساوي الذي اشترى المقهى لي فالمدينة واستغنى عن آتاي منذ الأسبوع الفارط (فراه ما عارف والوا في مراكش)،

فعاد ونادى على عامل المقهى بصوت مرتفع (زيد شي براد كبير بالنعناع وناقص سكر )، متجولا بعينيه بين جلسائه وكأنه يطلب موافقتهم..مضيفا “كَّا” وَلاَّ ” مَاكَّا..

‎فردوا عليه جميعا وبصوت واحد “كَّا ” وهي عبارة لعلها  تعطي نكهة خاصة للمونديال في 2030.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا