
بسمة نسائية/ نساء خالدات/ مبدعات
فيليس ويتلي، أول شاعرة وأديبة أميركية من أصول أفريقية، حققت شهرة في القرن الـ 18، وعلى الرغم من استعبادها منذ طفولتها بولاية بوسطن الأميركية؛ فإنها استطاعت إبهار الجميع بنبوغها المبكر في نظم الشعر والنصوص الأدبية.
جُلِبَتْ طفلةً من غرب إفريقيا إلى الولايات المتحدة. توفيت في سن 31 عامَ 1784. كانت الحرية عامودا متوطدا بداخلها. لم يصدق أحد كتابتها للشعر فحوكِمتْ وحكمت المحكمة لصالحها.
اشترتها عائلة وهي بنت السابعة: على الرغم من عدم توثيق تاريخ ومكان ولادتها، يعتقد المؤرخون أن فيليس ويتلي ولدت عام 1753 في غرب إفريقيا، وعلى الأرجح في غامبيا أو السنغال الحالية. تم بيعها من قبل زعيم محلي لتاجر زائر من البيض، الذي أخذها على متين سفينته إلى بوسطن، التي وقعت بها حينئذ مستعمرة ماساتشوستس البريطانية.
وكان ذلك في 11 يوليو 1761، عندما حملتها سفينة عبيد تسمى فيليس، كانت مملوكة لشخص يدعى تيموثي فيتش ورباناها يدعى بيتر جوين. فور وصولها إلى بوسطن، عُرضت البضاعة بسوق الرقيق، حيث اشتراها تاجر من تجار بوسطن الأثرياء، وكان يمتهن الخياطة حرفة، هو جون ويتلي، استحوذ عليها كعبدة، هدية لزوجته سوزانا.
للشاعرة فيليس ويتلي – قصائد حول مواضيع مختلفة دينية وأخلاقية. أول كاتبة أمريكية سمراء من أصل إفريقي – كانت الحرية من أهم الأعمدة التي توطدت بدواخل الشاعرة فيليس ويتلي: وهذا ما دعاها لأن تكتب رسالة إلى القس سامسون أوكوم، تثني على أفكاره ومعتقداته التي تنص على أن الأشخاص المستعبدين يجب أن يحصلوا على حقوقهم الطبيعية في أمريكا. فكانت أول كاتبة أمريكية سمراء البشرة، من أصل إفريقي، قامت بنشر كتاب لها في الولايات المتحدة، أو لنقل إنها كانت أوّل كاتبة على الإطلاق. وقد تم تحرير الشاعرة فيليس من قيود العبودية بعد فترة قصيرة من نشرها لديوانها الأول في سبتمبر 1773.
ومنذ قدومها أطلق عليها جون وسوزانا ويتلي اسم Phillis ، تيمنا باسم السفينة التي نقلتها إلى أمريكا. وكما كانت العادة الشائعة أعطيت كنية العائلة ويتلى، حيث جرت العادة بين المستعبدين من الزنوج الذي جُلبوا من إفريقيا، إذ كانوا يحملون أسماء أسرهم.
كانت تلك الانطلاقة مُرّة وقاسية للطفلة، بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ حيث أُتي بها وبآخرين من بني جلدتها، على أيدي مهربين كان يطلق عليهم مهربي اللحم الحي. أتوا بها إلى بوسطن، حيث طرحهم تجار الرقيق للبيع بمزادات علنيه، ندهوا عليها كما يفعلون عندما يبيعون الماشية أو الكلاب، منادين “عمرها سبع سنوات فقط! ستكون مهرة نشطة وخادمة جيدة!”. على أيّة حال، تم بيعها ومن ثمّة امتلاكها من قبل العديد من تجار الرقيق، حتى انتهي بها المطاف إلى عائلة ويتلي.
تلك الطفلة التي سماها من اشتروها فيليس ويتلي، وهكذا يكتب الاسم بالإنجليزية: Phillis Wheatley جُلبت وهي في سنّ الطفولة المبكرة من بلدها من شواطئ القارة السمراء. يا تُرى ما كان اسمها من قبل، قبيل أن تسمى بهذا الاسم الانكليزي وقبيل أن تغير ديانتها، التي ربما كانت الإسلام أو الوثنية، وأن يُغيَّر اسم الإنسان بعد أن سلق عليه، ليس بالأمر السهل، والاسم مثل الجلدة، إن انسلخ عنها، ضاع.
ذاقت منذ أن أبصرت عيناها على العالم الجديد مرارة الغربة واضطهاد التغرّب، بيد أنها وبملكاتها الذهنية والعقلية الرهيبة استطاعت أن تحقق طموحاتها، فغدت مع مرور السنين وفي سن يافعة، شاعرة وكاتبة أمريكية يشار إليها بالبنان. عندما استقر بها المقام في مدينة بوسطن هناك تعلمت القراءة والكتابة في بيت العائلة، وانطلقت موهبتها في الشعر والأدب لا تلوي على شيء إلا وتنهم كنوز هذه اللغة الجديدة، وتلك العلوم المتعددة التي تعلمتها على يد ابنة الأسرة. كانت ماري ابنة الأسرة البالغة من العمر 18 عامًا، أول معلمة لفيليس في القراءة والكتابة.
اعترافًا بقدرتها الأدبية، دعمت عائلة ويتلي تعليم فيليس وتركت العمل المنزلي لعمالها المنزليين المستعبدين الآخرين. غالبًا ما أظهرت عائلة ويتلي قدراتها للأصدقاء وكانوا فخورين بها أيما فخر وأنهم استطاعوا أن يحققوا معجزة، امرأة زنجية ترفل في ترهات العلم والمعرفة، ذلك لم يكن بالأمر المتعارف عليه إذَّاك. تأثرت فيليس بشدة بقراءاتها لأعمال ألكسندر بوب، جون ميلتون، هوميروس، هوراس، وفيرجيل، وبدأت لا تلوي على شيء إلا وتكتب الشعر وتنظم القصائد.
والمدهش أنها وفي تلك السن المبكرة كانت تكتب الشعر بلغة غير لغتها الأم، بدايةً، لم يصدقها أحد، أنها هي من كتبت تلك النصوص الشعرية؛ كانت تكتب قصائد بموضوعات متباينة، كتبت عن الوطن والأخلاق والدين لإنجلترا وللمستعمرات الأمريكية وقد كتبت أيضاً عن جورج واشنطن، كما تعرفت أيضاً على الشاعر الزنجي جوبيتر هامون.
المحكمة: من أين لكِ هذا؟
وهي ترفل في سن العشرين وبعد أن ذاع صيتها في محيطها الاجتماعي وبصالونات الشعر والأدب، جاءت دعوى غير مرتقبة من المحكمة تطعن وتشكك بأن الأشعار التي كتبتها بقلمها وألفتها بفكرها ما هي إلا اقتباسات من أشعار بعض الشعراء البيض. واستكانت للدعوى وجاء يوم الحساب والاستجواب ووقفت ماثلة في قفص الاتهام تُسأل عن الأمر في كل لمحة ونفس. كانت المحكمة يومئذ تتألف من ثمانية عشر قاضيًا يرتدون –كما هو متعارف عليه – الملابس التقليدية التي يلبسها القضاة والمحامون عادةً في جلسات المحكمة وكل منهم يلبس باروكة من الشعر المستعار.
وخلصوا إلى أنها كتبت القصائد المنسوبة إليها ووقعت على شهادة، كانت مدرجة في مقدمة كتابها من الأعمال المجمعة: قصائد حول مواضيع مختلفة، دينية وأخلاقية، نُشرت في لندن عام 1773. رفض ناشرون في بوسطن نشر قصائد فيليس، بيد أن مؤلفاتها كانت ذات أهمية كبيرة للأشخاص المؤثرين في لندن.
وفي ذلك اليوم المشؤوم وجب عليها أن تلقي على مسامع اللجنة المتكونة من القضاة الأجلاء نصوصًا بحضرة المحكمة، من “فيرجيل” و”ميلتون” وبعض العِبر من الكتاب المقدس وبعض المقاطع الصعبة منه، بطبيعة الحال وهكذا كان يقتضي الامتحان أن تُلقيها عن ظهر قلب، كما توجب عليها أيضًا أن تُقسم قسماً قاطعًا، أن القصائد التي كتبتها لم تكن مقتبسة من دواوين شعريه منسوبه لأدباء آخرين.
لنتخيل كيف كان الامتحان وكيف كانت حال هذه الفتاة اليافعة في ذاك اليوم. طالت ساعاته وطالت إجاباتها من الكرسي الذي خصص لها في قفص الاتهام، في ذاك المكان الذي يجلس فيه عادة المجرمون والقتلة. لكن في نهاية المطاف برّأتها المحكمة بعد أن أثبتت لهم أنها شاعرة، كاتبة وأديبة حتى بلغتهم.
.