بسمة نسائية/ اصواتهن/ بورتريه
*عزيزة حلاق
فوزية رفيق الحيضوري، امرأة من زمن النضال والشعر والابداع، هي ابنة مدينة سلا، ولدت وترعرت ودرست في هذه المدينة التي كتبت فيها شعرا، ووصفتها في قصيدة عنوتها “العشق الأبدي” ضمنت في ديوانها الأول “ما كان حلما يفترى”..
بدأ وعيها النضالي في الثانوي مع القضية الفلسطينية، التي كانت تعتبر القضية النضالية الأولى أنداك في الأوساط الطلابية.
ليتطور إلى وعي متقدم بالقضية النسائية وحقوق المرأة مع التحاقها باتحاد العمل النسائي، وتأسيس جريدة 8 مارس من قبل مجموعة من المناظلات تتقدمهن أيقونة النصال النسائي لطيفة الجبابدي، فكانت أول جريدة نسائية ظهرت في المغرب أوسط الثمانينيات من القرن الماضي،
ومع انتقالها والإقامة بمدينة مراكش، كانت من بين مؤسسات جمعية نسائية أطلق عليها اسم “جمعية الحمراء ” كأول جمعية نسائية بمراكش، وكان ذلك سنة 1983. ..
تعتبر فوزية رفيق اليوم، من أبرز وجوه النضال النسائي والحقوقي في مدينة مراكش. فإلى جانب مهنتها كأستاذة التعليم الثانوي التأهيلي، تشتغل على أكثر من واجهة جمعوية، فهي عضو مؤسس لاتحاد العمل النسائي وعضو مؤسس لمركز التنمية لجهة مراكش /آسفي وعضو سابق بالتنسيقية الجهوية والإقليمية لمراكز الاستماع والوساطة المدرسية. عملت مشرفة على مركز الاستماع لمحاربة الهدر المدرسي بثانوية عودة السعدية التأهيلية بمراكش. وتلقت تكوينات متعددة حول الاستماع والتواصل ومناهضة العنف المنزلي، داخل المغرب وخارجه.
ساهمت في بحوث ميدانية حول جودة الحياة في مدينة مراكش وحول مستويات القرائية لدى الكبار، وهو عمل من إنجاز مركز التنمية لجهة مراكش آسفي ومنظمة اليونيسكو. وشاركت في العديد من الملتقيات الثقافية و حضيت بأكثر من تكريم.
عملت فوزية أيضا، ضمن الفريق الوطني لتأليف الدليل المسطري لمراكز الوقاية ومناهضة العنف في الوسط المدرسي، بدعم من منظمة اليونيسيف. وتهتم حاليا بالأطفال الذين يعانون من (الديسليكسيا/ عسر القراءة) والمعروف أيضًا بإعاقة القراءة.
فوزية رفيق امرأة، جمعت بين النضال والابداع الأدبي، هي عضو نشيط بصالون الربوة للثقافة والفكر بالرباط، كاتبة وشاعرة. وهي أيضا (رئيسة التنسيقية الجهوية للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش). واحتفاء بها وبكتابها ” سارليكسيا ..بوح شفيف” أقيم على شرفها ندوة تربوية فكرية، بمبادرة من الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، احتضنها نادي الصحافة بالمغرب في 08 يونيو السنة الماضية 2023، تزامن هذا النشاط وفعاليات الدورة 28 للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط.
وقدمت الأستاذة عائشة لمراني العلوي قراءة في هذا المؤلف وقالت عن كاتبته فوزية رفيق الحيضوري وعن الكتاب:”
الكاتبة المبدعة الشاعرة، الفاعلة الجمعوية، والباحثة البيداغوجية من مدخل العلاقة المواكبة للتلميذ والتلميذة، فوزية رفيق تجمعني بها قرابة عبرت عنها العزيزة زهور العلوي ألف رحمة ونور على روحها، بقرابة القيم. لذا وأنا بصدد البحث عن مداخل لمقاربة كتاب “سارليكسا بوح شفيف” تعرفت على مسار مشترك، الرسالة التربوية و لا أسميها مهنة فهي رسالة ومهمة، والعمل الجمعوي في إطار الدفاع عن حقوق المرأة، إلى أن التقينا في لقاءات متوالية في الصالون الأدبي الربوة منذ أكثر من عقد من الزمان، فتعززت العلاقة وتعمقت.
أثار دهشتي والدهشة أم المعرفة كما قيل عنوان الكتاب وأحالني جزئيا على ما يعرف بصعوبة القراءة عند الأطفال (الديسليكسيا ) غير أن الصيغة هنا مختلفة وتشبه إلى حد كبير غرائبية الأسماء والعناوين الأسطورية. غير أن احتفاء الباحثين والمشتغلين بقضايا التربية والتعليم وما حظي به من اهتمام كبير، فقد عقدت حوله ندوات وقدمت له قراءات، كل ذلك هداني إلى موضوع الكتاب فكان مدخلا للاستئناس وعتبة للاكتشاف، والإقبال على القراءة بشغف، فالهم التربوي يسكننا مهما ابتعدنا أو ادعينا التقاعد.
يعتبر كتاب سارليكسيا (بوح شفيف) لفوزية رفيق الحيضوري أول كتاب في المغرب سعى إلى التوثيق لتجربة الاستماع والوساطة المدرسية ودورها في التصدي لظاهرة الهدر المدرسي، وذلك من خلال تجربة ميدانية احتضنتها ثانوية عودة السعدية التأهيلية بمراكش، قادتها الكاتبة .
ولعل ما ميز الكتاب هو اشتغاله على تيمات متعددة شكلت عناوين الصعوبات التي كانت التلميذات تعاني منها، والتي كادت أن تشكل حاجزا ينتهي بهن إلى مغادرة المدرسة..
يتعلق الأمر بتيمة العنف، الطلاق،التنمر، غياب التواصل، وصعوبات التعلم المرتبطة أحيانا بالتوحد والديسليكسيا…
كما يتضمن الكتاب شهادات حية لبعض المستفيدات من مركز الاستماع واللواتي نجحن في حياتهن الدراسية والاجتماعية والمهنية.
من اصداراتها أيضا ديوان وسمته ب” “ما كان حلما يفترى”، أثار اهتمام الكاتب مولاي عبد الحكيم الزاوي، فكتب يقول في قراءة نشرت على صفحات جريدة الاتحاد الاشتراكي عنونها ب”القلق الذاتي بصيغة نسائي:”
تنهجس فوزية رفيق بالحديث عن الذات، عن انكساراتها، تشظياتها، عذاباتها، جراحاتها…وتكاد تكون الذات هي التيمة الناظمة لكل القصائد في فرحها وحزنها، انتشائها وانكسارها…عبر هذه الذات المعذبة تشرك فوزية رفيق القارئ في نقاش معرفي لا يزال يحبل بتفاصيل فائضة. نقاش العلاقة بين الذاكرة والتاريخ، بين الألم والأمل….وغيرها من الدوال. وحدهم مختصو الابستمولوجيات يدركون حجم التعارض بين التاريخ والذاكرة. الذاكرة التي تتوسل بها الشاعرة هنا تمثل استرجاعي لنسق الذهنيات والتصورات الرمزية، وهي بالنهاية إنتاج اجتماعي وسياسي وثقافي. الذاكرة مثلما يقول المؤرخ ببير نورا «ما تبقى في أذهان الناس أو ما يتصورونه بخصوص هذا الماضي». وهي أيضا موروث ذهني يختزل مسيرة من الذكريات الفردية والجماعية التي تغذي التمثلات المجتمعية. وبالتالي، فهي صورة مجرد صورة عن ماضي وقع استحضاره، اختزاله، تضخيمه، تقزيمه، تبريره وفق حاجيات الانسان. وغالبا ما تغلب على الذاكرة القدسية والرمزية، وقد تتلبس الصورة بالخيال، ونصير نحو مشكلة أخرى وفق ما عبر عنها الفيلسوف الفرنسي جون بودريار ب»اختفاء الواقع»، أو «ما فوق الواقع». بينما التاريخ بناء منهجي واشتغال مفاهيمي، موضوعاتي وإشكالي في آن، يقوم على المعالجة المنهجية وعلى ترتيب وقائع الماضي وفق عبارة لوسيان فيفر الشهيرة. التاريخ عملية بناء وإعادة بناء، صياغة وإعادة صياغة، كتابة وإعادة كتابة، قراءة وإعادة قراءة…لا يتم ذلك إلا عبر سلسلة من العمليات المنهجية المتداخلة: تحليل، تأويل، ونقد وتجاوز. باختصار: هدم وبناء.
«بدون ذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان» كما قال محمود درويش. المكان سلا، مدينة القراصنة وشموخ النضال. في سلا ارتدت الشخصية المغربية بُعدها الموريسكي، وورثت عنها روح الأندلس. الأندلس الفكرة وليس الرقعة كما يقول المؤرخ الإسباني إميليو غونزاليس فيرين. كل شيء في سلا يصدح بجرح التاريخ. وحده الحاضر ينزع القداسة عن الأمكنة والفضاءات، ولكأن آفة هذه البلاد أن تصدف عن تاريخها التليد وتعرض عن كل شيء يوحي بالتاريخ.