كيف نوقف هذا العبث؟

بسمة نسائية/ أصواتهن
من يتحكم في “حريتنا” المزعومة؟
بقلم: د. العالية ماء العينين
أكذوبة العالم المفتوح التي حفرتها الشبكة العنكبوتية في أذهاننا، وتعاظم بنيانها بمعاول وسائط التواصل الاجتماعي، تنهار فجأة لنكتشف أنه عالم بمقاييس الذين وضعوا أسسه وهذا يعني ببساطة بعيدة عن “الفذلكة” أننا بين كماشة أخطبوط أطلق لنا العنان حتى اعتقدنا أننا امتلكنا حريتنا أخيرا، وانتشينا باقتحام آفاق لم نكن نتخيل الوصول إليها…وأي انتشاء، أن تتصور أنك بجهاز صغير قادر على إيصال صوتك إلى أي مكان في العالم…
إنه الحلم الذي ينقلب إلى كابوس، عندما يقرر هذا الأخطبوط، تذكيرك بوجوده والضغط على عنقك بأحد أذرعه ليكتم أنفاسك، وتكتشف أنك حر بمقياس عالم آخر هو وحده الذي يحدد لك معاني الإنسانية وحدودها، يحدد لك مفاهيم الحرية والحضارة وجرائم الحرب والإرهاب والاستعمار والمقاومة والحق في الحياة…
لتكتشف أن هذه المعايير تتحكم في كل شخص يمتلك جهازا “ذكيا” تصور في يوم من الأيام أنه جواز سفره إلى الحرية…
لقد كان الصراع مع الاستبداد واضحا ورغم ضريبة الدم والألم التي يدفعها المقاوم عموما، إلا أن المواجهة كانت مباشرة وتحتاج إلى مجهودات من الطرفين، ويمكن أن يحسم الانتصار لهذا الطرف أو ذاك. أما اليوم، فإن كل شخص يحمل سجانه بين يديه يتحكم في سكناته وحركاته وعلى شفتيه ابتسامة سخرية أمام مسجونه المزهو بحريته وقدرته على فعل ما يريد…
هذه الكماشة الرقمية التي تسيطر علينا اليوم، مرحلة أخيرة بعد مراحل من تقطيع أوصال أوطاننا ورسم حدود الدم والعداء وتجييش الشعوب ضد بعضها البعض، وإضعاف الجبهات الداخلية، بالاستقواء على الإخوة…
إن التفكير في هذه الوضعية مؤلم ويدفع أحيانا إلى الاكتئاب أو الانهيار والتلاشي…لولا رغبة عميقة في البقاء والاستمرار وإيجاد التبريرات…
بعض الناس يجدون راحتهم في تصورهم أنهم فرسان يملكون صكوك الغفران وهي في حالتنا صكوك الإنسانية وروح الالتزام والأحكام الجاهزة على الناس والحقيقة أن الوضع أكثر تعقيدا من مع أو ضد، أبيض أو أسود…
لأن الالتزام ” الحقيقي ” هو أن تستطيع الحفاظ على مبادئك في أي موقع كنت وتحت أي ظرف وهذا يحتاج قدرة كبيرة على مواجهة النفس في كل أحوالها …
أن نتوقف تماما عن “الحياة” ما دام الظلم قد بلغ منتهاه…
أن نتوقف عن الإحساس بأية متعة ما دام إخوة لنا يواجهون القتل والإبادة والبشاعة..
أن نتوقف عن اختيار وجباتنا وإخوة لنا يأكلون لحم القطط…
أن نتوقف عن التفكير والتأمل وتسطير النظريات، أمام العبث الذي يجتاح الإنسانية واكتشاف العقول المدمرة التي تتحكم في العالم…
أن نتوقف عن قول الشعر أمام صوت المدافع…
أن نتوقف عن الحب…
أن نتوقف عن الضحك…
والحال أننا نفعل كل ذلك، سرا أو علنا، متعايشين مع الألم والقهر الذي يطالعنا عبر الشاشات والأخبار…
هل هي غريزة الحياة أم المقاومة بعدم الموت؟
هل قلت شيئا؟
لا أدري!!
هي صرخة مكتومة تنتابني عندما أفتح صفحتي، وألاحظ -مثلكم جميعا- قلة التفاعل مع أي منشور له علاقة بما يحدث من فظائع وجرائم، وأستوعب فكرة أن هناك من يتحكم في “حريتنا” المزعومة…