طوفان الأقصى: الزلزلة الشاملة..

بسمة نسائية/ منبر بسمة
المقاومة حقّ، و«حماس» لم تقُمْ سوى يوم “غابت شمس الحق”، و”صار الفجر غروب »
بقلم: د. نور الدين العوفي
طوفان الأقصى حدث غير مسبوق، غير محسوب؛ حدث مُباغت، أخذ الجميع على حين غرة، داهم الكيان الصهيوني وهو سادر في غلوائه، غارق في أوهامه، موغل في احتلاله، مُمْعِن في جرائمه. وهو أيضاً لحظة تاريخيّة فارقة، فاصلة بين عالمين: ما قبل 7 أكتوبر، وما بعده. عالم قديم، أُحادي القطب، غير متكافئ، مركزُه يتحكَّم في أطرافه، ينهب خيراتها، يمزق بلدانها، يفكك مجتمعاتها، هذا العالم نشاهده، أمامنا، عارياً تحت ضربات المقاومة الفلسطينية، ونراه يتفسَّخ بما فيه، بأقنعته المزيفة، بسردياته الكاذبة، بسياساته الظالمة، بمكاييله المختلة، بأخلاقيته المتداعية، بحداثته الخادعة، وبفكره المخاتل. نهاية تراجيدية لمنظومة أمست مهترئة، فاسدة؛ وبداية تاريخية لمنظومة تخرُج من أنقاض غزَّة، لعلها تُقيم الوزن المفقود، وتُحيي ” العدل المصلوب “، وتعيد إنتاج العالم، بملامح مضيئة، بموارد البطولة، والتضحية، والاستشهاد.
يجدر بنا، من ثمة، أن نستوعب الحدث، ونتدبَّر في الزلزلة الشاملة التي أحدثها، وهي على مستويات عدة. كان البعض يرى أن المقاومة لم تعد ذلك السبيل الأنجع لإنهاء الاحتلال الصهيوني، وأن في ” السياسة العملية “، وفي منظومة «القانون الدولي» يكْمن الحل الممْكِن، الواقعي، والعقلاني، أي أن «حل الدولتين»، هو الذي من شأنه أن يضمن السلم والأمن الدائمين، ويجلب الرخاء الاقتصادي لمجموع دول المنطقة. هذا «الظن» ب « لاجدوى » المقاومة، و ب « نفعية » عملية السلام هو ما سوَّغ لبعض الدول العربية اقتراف « التطبيع » مع الكيان الصهيوني. ولقد ظل «التطبيع»، منذ « اتفاق كامب دافيد »، يراوح في « الدائرة الرسمية »، لا يتجاوز حدودها إلى أن جاءت ما سُمِّي ب « الاتفاقية الإبراهيمية »، ليطال التطبيع بعض الشرائح من « الدائرة المدنية ». هذا « التطبيع مع التطبيع »، المُنْسلّ، والزاحف هو ما أَجْهضته العملية التي قامت بها « كتائب القسَّام » مع بزوغ فجر السابع من أكتوبر، وأبطلت تمدُّدَه. عملية بطولية سامت الخَسْف للمحتل، وكشفت عن زيف تفوُّقه العسكري، والتكنولوجي، والاستخباراتي. تمكَّنت المقاومة، في أقل من ساعة، من تحقيق نصر ساحق على «الجيش الذي لا يقهر»، والذي يمدُّه الغرب، بلا قيد ولا شرط، بأسباب الهيمنة، والعنجهية، والإثخان في الأرض. وحدها المقاومة هشَّمَت الميثولوجيا الصهيونية، وأعادت إلى «الوعي الشقي» ما كاد أن يُمسي نسيّاً منسيّاً، واقع الاحتلال.
الاحتلال تُقابلُه المقاومة، إنها ثنائية النفْيٌ، ونفْيٌ النَّفْي، ولا يَنْفي الاحتلال سوى المقاومة. الاحتلال باطل، والمقاومة حقّ، و«حماس» لم تقُمْ سوى يوم “غابت شمس الحق”، و”صار الفجر غروب ».
طوفان الأقصى فاجأ الوعي العربي المهزوم، رجَّهُ رجّاً. «تجربة ذهنية» جديدة أخذت تلوح في الأفق. مفاهيم ثقيلة، غليظة، غائصة في التجريد، خادعة للذات، من قبيل الحق، والعقل، والعدل، والحرية، والديمقراطية، والإنْسية وما إلى ذلك، استأْثر الغرب ب «ملكيتها الفكرية»، وبها تزوَّد المخيال «الحداثي» العربي، كلُّها بدأت، الآن، تتساقط كأوراق الخريف.
هل يستوي المحتل والمقاوم؟ الُمحْتلُّ أفَّاك، مُخْتلِق، مارق، الغابُ قانونُه، والإرهاب لغتُه، والمظلومية ديْدَنُه. وكيلٌ لأَصيلٍ يمنحُه ويُغْدِق عليه بلا حساب. المقاوم فِعْل، صِدْق، عزْم، مُروءة، أخلاق، ومُثُل؛ حفظ الأرض غايتُه؛ بذل النَّفْس سلاحُه. هو مقاوم بذاته (الفلسطينية) ولذاته (العربية والإسلامية). المقاوم خلّاق، بيده لا بيَدِ غيْره يصْنع عُدَّته وسلاحَه، وبدمه ينْحت حريته وحرية العالم.
المقاوم «إنسان كامل» (ابن عربي)، يقف في «مقام اللامقام»، وباجتيازه ل« دائرة الوجود » يكون قد وضع من « تمام » الحضارة الكونية « غايته التي هي مُنْتهىً لهُ.